للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجعبة»

متضخما ثراء ومالا وفيرا.

فالوظيفة تدر عليه أخلاف النعم من هدايا يتقى بها شره أو يجتلب نفعه وبره، ورشاوى يشترى بها ظلمه وجوره، ويدفع بها عن المفسدين بأسه وحزمه.

فسرعان ما يدب الفساد في أمر ولايته ويتشبه به عملاؤه فيعيثون «٢» عيث الذناب «٣» في الغنم ويذوق الناس منهم كل سوء وأذى. وينظرون إليهم نظر الطائر إلى الصائد فزعين وجلين، وعلى أنفسهم وأموالهم خائفين مذعورين، ويتمنون الخلاص من حكمهم ولو بذلوا في سبيل ذلك ما بذلوا فتكثر الثورات، وتعصي الأوامر وتستأسد النفوس الشريرة، وتسري في القلوب روح الفوضي والاضطراب والتمرد «٤» ، وما شأن حكم يكون ذلك أساسه؟ لا شك أنه سريع الانهيار قريب الزوال.

فمحاسبة الخلفاء والملوك لولاتهم ومؤاخذتهم على ما يرتكبون من المخالفات تجعلهم حريصين على إقامة العدل والقسطاس بين من هم تحت رعايتهم، والعمل على تأمينهم من كل مخوف والسهر على راحتهم وما فيه رقيهم وسعادتهم، وعدم الاستكانة إلى الراحة والتواني «٥» ؛ وكف أيديهم وألسنتهم عن تناول ما ليس لهم بحق، فتسود الطمأنينة في القلوب وينصرف الناس إلى إتقان أعمالهم. وإجادة مصنوعاتهم وترقية شؤونهم في ظل السكينة والأمن.

ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من سوء العاقبة من يأخذ ما ليس له بحق من الحكام والولاة وبيّن له مصيره بأن يأتي يوم القيامة حاملا ما أخذه على كتفيه مفتضحا أمره، ذائعا بين الخلائق ظلمه وجرمه.

أما بعد: فمن يرى هذا المال الوبيل «٦» والمرتع الوخيم ويرضى لنفسه ذلك الخزي والهوان، بسبب مال زائل، وعرض فان، ومتاع من الدنيا قليل؟


(١) الجعبة: وعاء السهام والنبال.
(٢) فيعيثون: عاث: أفسد.
(٣) الذّناب: خيط يشد به ذنب البعير إلى حقبه لئلا يخطر بذنبه فيلطح راكبه.
(٤) التمرد: تمرّد على القوم: عصى عنيدا مصرا.
(٥) التواني: توانى في العمل: لم يبادر إلى ضبطه ولم يهتم به.
(٦) الوبيل: الشديد.

<<  <   >  >>