للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا قلنا: إن الإضافة في مطل الغني على معنى مطلك الغني فمعنى العبارة أنه يجب وفاء الدّين ولو كان مستحقة غنيا. فلا نتخذ من غناه ذريعة لمماطلته، وإذا كان تأخير ديون الأغنياء ظلما فالفقراء من باب أولى.

ولقد أمر الرسول الله صلى الله عليه وسلم الدائن إذا أحاله المدين على غني مليء موسر قادر- أن يقبل هذه الإحالة، وأن يتبع الذي أحيل عليه بالمطالبة حتى يستوفي حقه، وإنما أمره بالإتباع إذا أتبع تنجية للمدين من الظلم أو الإشراف عليه بالمماطلة، وتعجيلا لإستيفاء حقه بلا مساوفة «١» ، ولقد قال أكثر الحنابلة وأبو ثور وابن جرير وأهل الظاهر. إنه يجب على الدائن قبول الإحالة على الملىء عملا بهذا الأمر.

قال الجمهور: إن الأمر هنا للاستحباب وأي مانع يمنعك أيها المسلم الرحيم من أن تلزم نفسك القبول، وفي ذلك خيرك وخير أخيك؟ إنه لا مانع إلا المعاكسة والمشاكسة «٢» وليست من أخلاق المؤمن.

وقد استدل بهذا الحديث على اعتبار رض المحيل والمحال دون المحال عليه لعدم التعرض لذكره، وبذلك قال جمهور الفقهاء، وعن الحنفية والاصطخري من الشافعية اشتراط رضاه أيضا.

وكذلك استدل به على أن المعسر لا يحبس، ولا يطالب حتى يوسر لأنه لو جازت مؤاخذته لكان ذلك لظلمه والفرض أنه غير ظالم لعجزه، وقيل: يحبس وقيل:

يطالب وقد قدمنا لك حكم القرآن في ذلك، أما المماطل فنسلك معه كل سبيل حتى يصل ذو الحق لحقه، ولو كان بالإيذاء له أو الحبس.

فأد الأمانات لأهلها، ولا تكن ظلوما، واعمل على تحقيق الثقة بك، وارحم المدين العاجز وأمهله أو تصدّق عليه، ولا ترفض ما ينفع غيرك وينفعك، أو ينفعه ولا يضرك ودع النزاع والخصام وأحل محلهما الألفة والوئام إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ «٣» .


(١) المساوفة: التسويف والمطل.
(٢) المشاكشة: الاختلاف وصعوبة الخلق.
(٣) سورة التوبة، الآية: ١٢٠.

<<  <   >  >>