للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجملة تسعى لإخوانك في إزالة النوائب أو تخفيفها؛ وقد ضمن الله لفاعل ذلك رفع الكرب عنه يوم القيامة؛ وكرب يوم القيامة شديدة لا تماثل كرب الدنيا؛ فليس لدرئها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا معونة تقدمها في الدنيا لذوي الحاجة؛ وقوله: «من ستر مسلما» ، إلخ حث على ستر زلات أخيه المسلم إذا اطلّع عليها؛ وظاهر هذا الإطلاق يشمل كل زلة صغيرة أو كبيرة مما يوجب الحسد كسرقة وزني وشرب خمر أو لا، فستر الجميع مطلوب، ولكن للعلماء في ذلك تفصيل فقالوا، إذا رأى المجرم أثناء ارتكابه الجريمة تقدم إليه منكرا، ومنعه منها ما استطاع، فإن تركه كان آثما لأنه لم يقم بواجب النهي عن المنكر، ويعتبر كمساعد له على الجريمة، والله يقول: وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ «١» ، وإن عرف الجريمة بعد ارتكابها فإن كان مرتكبها من المعروفين بالإجرام وجب عليه تبليغ أولي الأمر «الإدارة أو النيابة» ما لم يخش من ذلك مفسدة راجحة لأن الستر في هذه الحال يدعوه إلى التمادي في الإجرام، ويجرىء غيره من أهل الفساد على الطغيان، وإن لم يعرف بالإجرام فالستر عليه مستحب، ويجوز له تبليغ أولي الأمر، ولا يكون بذلك آثما ما لم يعرف أنه تاب وأقلع، فإن التبليغ يحرم عليه وقد قالوا: إن جرح الشهود والرواة والأمناء على الأوقاف والصدقات وغير ذلك من باب نصيحة المسلمين الواجبة على كل من اطّلع عليها. ولا يعتبر ذلك من باب الغيبة، ولا من قبيل هتك العورة.

ومدار البحث في هذا الموضوع أن النهي عن المنكر واجب قولا فلا تمكن شخصا من ارتكاب جريمة أو إتمامها إن استطعنا، وأن العورة أو السيئة إذا كان في الإخبار بها مصلحة للمسلمين أو دفع مضرة عنهم وجب التبليغ لمن يملك التأديب، وإن كان في الإخبار مجرد الفضيحة ولا مصلحة من ورائه فينبغي الستر خصوصا على الذين لم يعرفوا بالفساد.

واعلم أن هناك عيوبا خلقية، مستورة عن عيون الناس؛ ويؤلم الشخص أن تعرف عنه، فالواجب على من اطلع عليها ألا يذيع أمرها فإن الإذاعة إيذاء والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

وقد وعد الله سائر العورات بالستر عليه يوم القيامة، فلا يفضحه على رؤوس


(١) سورة المائدة، الآية: ٢.

<<  <   >  >>