للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما نصر الظالم فربما خلته مساعدته على ظلمه، أو مجاراته في عدوانه كما كان العرب يصنعون في عهد الجاهلية.

إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالم ... على القوم لم أنصر أخي حين يظلم

وكما يصنع أولو العصبية والجهالة، المتهالكون في الحزبية؛ ينصرون شيعتهم بالحق وبالباطل، وليس نصر الظالم ذلك؛ بل تمنعه من الظلم؛ فإن أراد استلاب مال أخذت بيديه وإن أراد اغتصاب حق حلت بينه وبينه؛ وإن أراد البطش ببريء ضربت على يده إن كانت يدك أقوى منها. وتراعي الحكمة في المنع لئلا ينقلب ظالما لك؛ وقد يكون شديد النكاية. وأنت ضعيف الرماية فإن كانت النصيحة رادعة سلك سبيلها؛ فإن لم تكن مجدية فاستعن عليه بمن هو أعلى منه.

ممن يخشى بأسه، أو يرهب سلطانه، أو يرجو مصلحة عنده، فلا يكن في ذلك رادع فاستعمل معه القوة ما قدرت عليه حتى يعود إلى حظيرة الحق، ويستقيم على النهج وإنما سمى الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك نصرا وإعانة مع معاكسة وعداوة لأن ظلمه إضرار بنفسه في حياته الحاضرة، يعرضها للعقوبات القضائية ويشين سمعتها بين البرية، ويدنسها بالعيش من الحرام واستمراء الحقوق ويعرضها لعقوبة الله في الحياة الآخرة، بل في الحياة الدنيا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ «١» ، فمن أراد قتل نفس عدوانا وظلما إذا أرخيت له العنان حتى ارتكب هذا الجرم الكبير عرض نفسه للقصاص، واستلاب الحياة، فأعقب ذكرى سيئة وتاريخا أسود؛ ورمّل زوجه، ويتّم ولده، وأساء إلى أسرته، وكان مثلا سيئا في الباقين، فإذا منعته من جرمه، وضربت بسيفك على يده حفظت له الحياة، وأبقيت على ذكراه، وأنجيت أهله وولده وحفظت الشرف على أسرته؛ فكان ذلك نصرا مؤزرا، بل كنت له الصديق في ثوب العدو والحريص على خيره في لباس الراغب في شره.

فيا أيها المسلم لا تجعل للظلم بين المسلمين وجودا، ولا ترى فيهم ظالما أو مظلوما بل اعمل على تمتع كل امرىء بحقوقه، وطمأنته على شؤونه، وآثر «٢» الحق


(١) سورة السجدة، الآية: ٢١.
(٢) آثر: فضّل.

<<  <   >  >>