للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتعدد بتعدد الحسنات. وفي هذا الحديث يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشخاص يؤتون أجرهم مرتين.

أولهم [من يحسن إلى أمته]

: الرجل تكون له أمة تحت يده ملكا واستخداما. فيحسن إليها الإحسان كله. فيعلمها فرائض الدّين وسننه. وشؤون المنزل وأعماله من نظافة وطهي. وعجن وخبز. وترتيب ونظام. وخدمة أولاد. سواء أكان ذلك التعليم بنفسه أم بوساطة غيره، من زوج وخدم، أو بنات وحشم «١» ولا يقتصر على تعليم ناقص، بل يجدّ فيه، حتى تبلغ نهايته، وتدرك غايته وتكون فيه الحاذقة «٢» الماهرة، والحكيمة المدبرة، وكذلك يؤدبها ويهذبها، ويروّضها «٣» على مكارم الأخلاق. وأحاسن الآداب كالعفة والقناعة والصدق والأمانة. وحسن المعاشرة. والأدب في المحادثة. ويبالغ في ذلك التأديب. حتى تكون الفتاة المهذبة. والأمة المكملة؛ وبعد ذلك التعليم والتأديب، والبلوغ بهما الغاية يعتقها من رقها، ويطلقها من قيدها، ويمنّ عليها بالحرية التي فطر الناس عليها، فتصبح ذات شأنها، والمستقلة بأمرها لا سلطان لأحد عليها، تتصرف في مالها ونفسها كما تريد في الدائرة المشروعة، والخطة المحمودة.

ثم يضيف إلى ذلك منة أخرى، وحسنة كبرى: أن يتخذها زوجا له فيسويها بزوجة الحرة. ويلحقها بسيدتها، ويرفعها من درجة الخدمة إلى مرتبة القرينة «٤» ، فهذا الشخص له أجران في هذه الأمة، أجر التحرير بعد الاستعباد، وأجر الزواج بعد الاستخدام. وله فوق ذلك أجر التعليم، وأجر التأديب، وكأنه لما كان العتق من الحسنات في الدرجة العليا حتى عدّه الله في القرآن اقتحام العقبة وكان زواج الأمة بعد تحريرها أكبر نعمة تسدى إليها اقتصر على أجريهما، إشارة إلى علو شأنهما، وبعد مرتبتهما، ولم يذكر أجري التعليم والتهذيب؛ وحكمة أخرى، وهي التنبيه إلى أن التعليم والتأديب لا يختص بالإماء والعبيد، بل ذلك واجب السيد نحو البنات والبنين، أفترى بعد ذلك أن الإسلام لم يرفع من شأن الرقيق، ولم يرق به إلى درجة


(١) حشتم: حشم الرجل: خاصته الذين يغضبون لغضبه ولما يصيبه من مكروه، من عبيد أو أهل أو جيرة.
(٢) الحاذقة: حذق العمل: أوغل في ممارسته حتى صهر فيه.
(٣) يروّضها: يعدها ويعلمها.
(٤) القرينة: الزوجة.

<<  <   >  >>