للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أكّد الأمر بالترتيل والإخبار عنه في ايتي الفرقان والمزمل بالمصدر، وذلك لما لأنه: «يدل على المبالغة على وجه لا يلتبس فيه بعض الحروف ببعض، ولا ينتقص من النطق من مخرجه المعلوم مع استيفاء حركته المعتبرة» «١» .

وهذا التبيين في قراءة المرتّل يجب أن يكون بحيث يتميز كل حرف عن الاخر، ولا يتميز عن الاخر إلا إذا عرف حق الحرف ومستحقه (التجويد) ، ولا يكون ذلك بالضرورة بالتوصيف العلمي الذي درج عليه المتأخرون، بل بالتطبيق العملي، فقد كان النبي صلّى الله عليه وسلم يعلمهم هذا على هيئة دقيقة، وكانوا يتعلمون منه الحروف وحقوقها عمليا، على أن معظم أحكام التجويد كان معروفا عند العرب بسليقتهم اللغوية، حتى استدل العلماء على جواز نطق الضاد ظاء بأدلة ليس منها- فقط- ما ذكره «ابن جني في كتاب التنبيه وغيره أن من العرب من يجعل الضاد ظاء مطلقا في جميع كلامهم وهذا قريب وفيه توسع للعامة» «٢» ، بل ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره من أن «المختار عندنا أن اشتباه الضاد بالظاء لا يبطل الصلاة ويدل عليه أن المشابهة حاصلة فيهما جدا والتميز عسير فوجب أن يسقط التكليف بالفرق وبيان المشابهة، وإذا ثبت هذا فنقول لو كان الفرق معتبرا لوقع السؤال عنه في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفي أزمنة الصحابة لا سيما عند دخول العجم فلما لم ينقل وقوع السؤال عن هذا البتة علمنا أن التمييز بين هذين الحرفين ليس في محل التكليف» «٣» .


(١) انظر: معاني القران للزجاج.
(٢) (شعلة) أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين الموصلي ت ٦٥٦ هـ: شرح شعلة على الشاطبية المسمى كنز المعاني شرح حرز الأماني ص ٢٨، المكتبة الأزهرية للتراث.
(٣) انظر: تفسير الرازي.

<<  <   >  >>