للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: «وأما إنكاره أن يكون تغنى بمعنى استغنى في كلام العرب فمردود، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، ... (و) في حديث الخيل: «ورجل ربطها تعففا وتغنيا» وهذا من الاستغناء بلا ريب، والمراد يطلب الغنى بها عن الناس بقرينة قوله تعففا» «١» فيكون الجمع بين التأويلات المذكورة هو الصحيح البين، ومال إليه عدد من المحققين كابن حجر فيقال في معنى التغني الوارد في الأحاديث: يحسن به صوته جاهرا به مترنما على طريق التحزن متغنيا به عن غيره من الأخبار طالبا به غنى النفس راجيا به غنى اليد، ونظم ابن حجر ذلك في بيتين فقال:

تغن بالقران حسّن به الصوت حزينا جاهرا رنم ... واستغن عن كتب الألى طالبا غنى يد والنفس ثم الزم

«٢» وكذلك أن يجعل القران مكان الغناء أمر مقصود شرعا كما هو ظاهر، وتقدم ذكر الزجر عن الامتلاء بالشعر ولذلك صار القران هو الذي يترنم به العارفون مكان غناء القوم وحدوهم وإنشادهم فقد قال بعض العارفين لمريد:

أتحفظ القران؟ قال: لا، قال: وا غوثاه يا لمريد لا يحفظ القران فيم يتغنى؟ فيم يترنم؟ فيم يناجي ربه تعالى؟ «٣» .

وقد كان أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم يتفاضلون في حسن تغنيهم بالقران، ويثني النبي صلّى الله عليه وسلم عليهم في كل ذلك، وتقدم ما قاله في سالم، وأبي موسى، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الأشعريين: «إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقران حين يدخلون بالليل واعرف منازلهم من أصواتهم بالقران بالليل وان كنت لم


(١) فتح الباري (٩/ ٧١) ، مرجع سابق.
(٢) انظر: فتح الباري (٩/ ٧٢) ، مرجع سابق.
(٣) الشريعة الإسلامية والفنون ص ٣٠٧- ٣١٨.

<<  <   >  >>