للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصاغ منهم حكم على المجموع، وترجع هذه الأميّة السّائدة فيهم إلى غلبة البداوة عليهم وبعدهم عن أسباب الحضارة، وعدم اتّصالهم اتصالا وثيقا بالأمّتين المتحضّرتين آنذاك الفرس والروم.

ومعلوم أن الكتابة والقراءة وإمحاء الأميّة في أيّة أمّة رهين بخروجها من عهد السّذاجة والبساطة إلى عهد المدنية والحضارة.

ثم إن هذه الأميّة تجعل المرء منهم لا يعوّل إلا على حافظته وذاكرته فيما يهمّه حفظه وذكره، ومن هنا كان تعويل الصّحابة على حوافظهم يقدحونها في الإحاطة بكتاب اللَّه وسنة رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم لأن الحفظ هو السّبيل الوحيدة أو الشّبيهة بالوحيدة إلى إحاطتهم بها، ولو كانت الكتابة شائعة فيهم لاعتمدوا على النقش بين السّطور بدلا من الحفظ في الصّدور.

نعم، كان هناك كتّاب للوحي، وكان بعض الصّحابة يكتبون القرآن لأنفسهم، إلا أن هؤلاء وهؤلاء كانوا فئة قليلة، ولعلك لم تنس أن كتابة القرآن في عهد الرّسول صلّى اللَّه عليه وسلم كان الغرض منها زيادة التوثّق والاحتياط للقرآن الكريم بتقييده وتسجيله.

أما السّنة النّبوية

فقد نهى النّبي صلّى اللَّه عليه وسلم أصحابه عن كتابتها أوّل الأمر مخافة اللّبس بالقرآن، إذ قال عليه الصّلاة والسّلام: «لا تكتبوا عنّي، ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه، وحدّثوا عنّي فلا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوَّأ مقعدة من النّار» [ (١) ] .

نعم. خشي الرّسول صلّى اللَّه عليه وسلم أن يختلط القرآن بالسّنّة إذا هم كتبوا السّنّة كما كانوا يكتبون القرآن، أو أن تتوزّع جهودهم وهي لا تحتمل أن يكتبوا جميع السّنّة وجميع القرآن فقصرهم على الأهمّ أوّلا وهو القرآن، خصوصا إذا لاحظنا أن أدوات الكتابة كانت نادرة لديهم إلى حدّ بعيد، حتى كانوا يكتبون في اللخاف والسّعف والعظام كما علمت.

فرحمة بهم من ناحية، وأخذا لهم بتقديم الأهمّ على المهمّ من ناحية ثانية، وحفظا للقرآن أن يشتبه بالسّنّة إذا هم كتبوا السّنّة بجانب القرآن نظرا إلى عزّة الورق، وندرة أدوات الكتابة، رعاية لهذه الغايات الثّلاث نهى الرّسول عن كتابة السّنّة.

أما إذا أمن اللّبس، ولم يخش الاختلاط، وكان الأمر سهلا على الشّخص فلا عليه أن


[ (١) ] أخرجه مسلم في الصحيح ٤/ ٢٢٩٨- ٢٢٩٩ كتاب الزهد والرقائق (٥٣) باب التثبت في الحديث وحكم كتاب العلم (١٦) حديث رقم (٧٢/ ٣٠٠٤) وأحمد في المسند ٣/ ٢١، ٣٩، ٥٦. والدارميّ في السنن ١/ ١١٩- والحاكم في المستدرك ١/ ١٢٧- وابن عدي في الكامل ٣/ ٩٢٦، ٥/ ١٧٧١ وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم ٢٩١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>