للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك أن المجاهدة تؤدي إلى المشاهدة، والعناية بطهارة القلب وتزكية النفس تفجر الحكمة في قلب العبد، قال الغزالي: أما الكتب والتّعليم فلا تفي بذلك- أي بالحكمة تتفجّر في القلب بل الحكمة الخارجة عن الحصر والعدّ إنّما تتفتح بالمجاهدة ومراقبة الأعمال الظاهرة والباطنة، والجلوس مع اللَّه عز وجل في الخلوة مع حضور القلب بصافي الفكرة، والانقطاع إلى اللَّه عزّ وجلّ عما سواه فذلك مفتاح الإلهام ومنبع الكشف فكم من متعلّم طال تعلّمه ولم يقدر على مجازاة مسموعه بكلمة وكم من مقتصر على المهم في التّعليم، ومتوفر على العمل ومراقبة القلب، فتح اللَّه عليه من لطائف الحكمة ما تحار فيه عقول ذوي الألباب، ولذلك

قال- صلّى اللَّه عليه وسلم-: «من عمل بما علم ورّثه اللَّه علم ما لم يكن يعلم» [ (١) ] .

العامل الثّالث عشر:

وجود الرّسول صلّى اللَّه عليه وسلم بينهم يحفظهم الكتاب والسّنة ويعلمهم ما لم يتعلموه، ويفقههم في أمور دينهم.

قال الشيخ الزّرقانيّ: «ولا ريب أن هذا عامل مهمّ ييسر لهم الحفظ ويهون عليهم الاستظهار ... » .

عوامل خاصّة بالقرآن الكريم:

وهذه العوامل- الخاصّة توافرت في حفظ الصّحابة للقرآن الكريم دون السّنّة النّبوية المطهرة.

أوّلها: تحدّي القرآن للعرب بل لكافّة الخلق.

قال تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ [ (٢) ] ، ولما عجزوا قال: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ [ (٣) ] ، ولما عجزوا قال: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [ (٤) ] ، ولما عجزوا سجّل عليهم هزيمتهم وأعلن إعجاز القرآن فقال عز اسمه: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [ (٥) ] .

ثانيها: عنايته صلّى اللَّه عليه وسلم بكتابة القرآن فيما تيسر من أدوات الكتابة، إذ اتخذ كتّابا للوحي من


[ (١) ] قال الحافظ العراقي في هذا الحديث: رواه أبو نعيم في «الحلية» لكن بسند ضعيف- الحلية ١٠/ ١٥.
[ (٢) ] [الطور: ٣٤] .
[ (٣) ] [هود: ١٣] .
[ (٤) ] [يونس: ٣٨] .
[ (٥) ] [الإسراء: ١٧] .

<<  <  ج: ص:  >  >>