للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«إنّي أحبّ أن أسمعه من غيري» فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا جئت إلى هذه الآية فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً قال: «حسبك الآن» فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.

وكذلك كان الصّحابة همّتهم أن يقرءوا القرآن ويستمعوه

روى الشّيخان عن أبي موسى رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم «إنّي لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنّهار» [ (١) ] .

أليس هذا الولوع بالكتاب والسّنة من دواعي تثبتهم فيهما كما هو من دواعي حفظهم لهما، لأن اشتهار الشّيء وذيوعه ولين الألسنة به يجعله من الوضوح والظّهور بحيث لا يشوبه لبس ولا يخالطه زيف، ولا يقبل فيه دخيل.

[العامل الخامس:]

يسر الوسائل لدى الصّحابة إلى أن يتثبتوا، وسهولة الوصول عليهم إلى أن يقفوا على جليّة الأمر، فيما استغلق عليهم معرفته من الكتاب والسّنة، وذلك لمعاصرتهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يتصلون به في حياته، فيشفي صدورهم من الرّيبة والشّك، ويريح قلوبهم بما يشع عليهم من أنوار العلم وحقائق اليقين.

أما بعد غروب شمس النّبوة، وانتقاله صلّى اللَّه عليه وسلم إلى جوار ربّه، فقد كان من السّهل عليهم أيضا أن يتّصلوا بمن سمعوا بآذانهم من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم والسامعون يومئذ عدد كثير وجمّ غفير، يساكنونهم في بلدهم، ويجالسونهم في نواديهم فإن شك أحدهم في آية من كتاب اللَّه تعالى، أو خبر عن رسول اللَّه أمكنه التثبت من عشرات سواه دون عنت ولا عسر.

العامل السّادس:

الشّجاعة الفطرية للأصحاب، والصّراحة الطّبيعية لهم، حتى لقد كان الرّجل منهم يقف في وسط الجمهور يرد على أمير المؤمنين وهو يلقي خطاب عرشه ردّا قويّا صريحا


[ () ] تفسير القرآن (٤٨) باب (٥) ومن سورة النساء حديث رقم ٣٠٢٥ وابن ماجة في السنن ٢/ ١٤٠٣ كتاب الزهد (٣٧) باب الحزن والبكاء (١٩) حديث رقم ٤١٩٤- وأحمد في المسند ١/ ٣٨٠، ٤٣٣ والبيهقي في السنن ١٠/ ٢٣١- والطبراني في الكبير ٩/ ٧٩ وابن أبي شيبة ١٠/ ٥٦٣، ١٣/ ٢٥٤، ١٤/ ١٠، ١١ وابن سعد ٢/ ٢/ ١٠٤- وأبو نعيم في الحلية ٧/ ٢٠٣ وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم ٢٨٢٦.
[ (١) ] أخرجه مسلم في الصحيح ٤/ ١٩٤٤ كتاب فضائل الصحابة (٤٤) باب فضائل الأشعريين رضي اللَّه عنهم (٣٩) حديث رقم (١٦٦/ ٢٤٩٩) والبخاري في التاريخ الكبير ٥/ ١٧٥ وذكره ابن حجر في فتح الباري ٧/ ٤٨٥ وابن كثير في البداية والنهاية ٤/ ٢٠٦ والهندي في كنز العمال حديث رقم ٣٣٩٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>