للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن الذين أخذوا عنه مباشرة قد شكوا فيما ينقل، وعبروا عن هذا الشّكّ بأسلوب ساخر، وأنه كان يضمن أحاديثه أتفه الأشياء بأسلوب مؤثر، وذلك يدلّ على روح المزاح التي كانت فيه، والّتي كانت سببا في ظهور كثير من القصص، وصاحب هذه المطاعن يعزو مطاعنه إلى كتب إسلامية، ليلقي عليها ثوبا خلّابا. وليوقع في روع الناس أنّها صحيحة، وهذه طريقة فيها كثير من الخداع واللّبس والتزوير، وسنميط اللثام عمّا فيها وباللَّه التوفيق.

إن أبا هريرة الّذي يجرحونه هذا التّجريح، ويسيئون إليه هذه الإساءة هو من جملة الصّحابة، ومن أوسعهم رواية، بل هو أوسعهم رواية لا مستثنيا أحدا إلا ابن عمرو وتجريح هذا البحر الّذي مليء علما وأدّاه إلى من حملوه عنه وأدوه إلى من بعدهم حتى وصل إلينا تجريح لهذا العلم الغزير، ورفع الثّقة عن كل مروياته، وفيه إفساد كبير، ولو كان لهذا الطّعن وجه من الصحة لاحتمل، ولكن طعن باطل لا حق فيه.

هذا الإمام قد روى عنه ثمانمائة من أهل العلم كما قال البخاريّ، وهذا فيه الدّلالة على ثقتهم به، لأنهم لو لم يثقوا به لما رووا عنه، وهو ثقة ثبت عند الصحابة وأهل الحديث.

قال ابن عمر: أبو هريرة خير مني وأعلم بما يحدث.

وقال طلحة بن عبيد اللَّه أحد العشرة: ولا شك أن أبا هريرة سمع من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما لم نسمع وروى النّسائي أن رجلا جاء إلى زيد بن ثابت فسأله عن شيء، فقال زيد عليك أبا هريرة.. الحديث» .

وكان كثير الحفظ شديد الضّبط، شهد له بذلك أهل العلم والثّقات.

قال الشّافعيّ: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره.

وحدث الأعمش عن أبي صالح قال: كان أبو هريرة أحفظ أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلم وقال أبو الزّعثرعة كاتب مروان: أرسل مروان إلى أبي هريرة فجعل يحدثه، وكان اجلسني خلف السّرير أكتب ما يحدث به، حتى إذا كان في رأس الحول أرسل إليه فسأله، وأمرني أن انظر، فما غيّر حرفا عن حرف.

هذه آراء الثّقات أصحاب هذا الشأن فيه، فمن عدلوه فهو الثبت الّذي لا يجرح، ومن بهرجوه فهو الزّائف الّذي لم يعدّل، ومن حظي بمثل هذا الثّناء من هؤلاء العلماء الأفاضل، فلا يضيره ما يقال بعد ذلك فيه.

إذا رضيت عنّي كرام عشيرتي ... فلا زال غضبانا عليّ لئامها

[الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>