للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلنا إنه نبيّ فلا إنكار في ذلك وأيضا فكيف يكون غير النبيّ أعلم من النبي؟ وقد

أخبر النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحديث الصحيح أن اللَّه قال لموسى: «بلى، عبدنا خضر» .

وأيضا فكيف يكون النبي تابعا لغير نبيّ؟

وقد قال الثّعلبيّ: هو نبي في سائر الأقوال، وكان بعض أكابر العلماء يقول: أول عقد يحلّ من الزندقة اعتقاد كون الخضر نبيا، لأن الزنادقة يتذرعون بكونه غير نبيّ إلى أن الوليّ أفضل من النبي، كما قال قائلهم:

مقام النّبوّة في برزخ ... فويق الرّسول ودون الوليّ

[المتقارب] ثم اختلف من قال إنه كان نبيا، هل كان مرسلا؟ فجاء عن ابن عباس ووهب بن منبه أنه كان نبيا غير مرسل.

وجاء عن إسماعيل بن أبي زياد، ومحمد بن إسحاق، وبعض أهل الكتاب أنه أرسل إلى قومه فاستجابوا له.

ونصر هذا القول أبو الحسن الرّماني، ثم ابن الجوزيّ.

وقال الثّعلبيّ: هو نبيّ على جميع الأقوال معمّر محجوب عن الأبصار.

وقال أبو حيّان في تفسيره: والجمهور على أنه نبيّ، وكان علمه معرفة بواطن أوحيت إليه، وعلم موسى الحكم بالظاهر، وذهب إلى أنه كان وليا جماعة من الصوفيّة، وقال به أبو علي بن أبي موسى من الحنابلة، وأبو بكر بن الأنباري في كتابه الزّاهر، بعد أن حكى عن العلماء قولين هل كان نبيا أو وليا.

وقال أبو القاسم القشيريّ في رسالته: لم يكن الخضر نبيّا وإنما كان وليّا.

وحكى الماورديّ قولا ثالثا: إنه مالك من الملائكة يتصوّر في صورة الآدميين.

وقال أبو الخطّاب بن دحية: لا ندري هل هو ملك أو نبي أو عبد صالح.

وجاء من طريق أبي صالح كاتب اللّيث، عن يحيى بن أيوب، عن خالد بن يزيد أن كعب الأحبار، قال: إن الخضر بن عاميل ركب في نفر من أصحابه حتى بلغ بحر الهند، وهو بحر الصين «١» ، فقال: يا أصحابي، دلّوني، فدلّوه في البحر أياما وليالي، ثم صعد،


(١) الصّين: بالكسر وآخره نون، بلاد في بحر المشرق مائلة إلى الجنوب وشماليها الترك وهي مشهورة. انظر: مراصد الاطلاع ٢/ ٨٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>