للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا. فقالوا لى: وما علمك بذلك. فقلت: أنا أدلكم على كنزه فأريتهم موضعه فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، فلما رأوها، قالوا: والله لا ندفنه أبدا.

فصلبوه ورجموه بالحجارة.

وجاؤا برجل آخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلا لا يصلى الخمس، رأى أنه أفضل منه، أزهد فى الدنيا ولا أرغب فى الآخرة، ولا أدأب ليلا ونهارا منه، فأحببته حبا لم أحبه شيئا قبله، فأقمت معه زمانا، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان إنى كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه شيئا قبلك وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصى بى، وبم تأمرنى.

فقال: أى بنى، والله ما أعلم اليوم أحدا على ما كنت عليه، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل «١» وهو فلان، وهو على ما كنت عليه.

فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له: يا فلان، إن فلانا أوصانى عند موته أن ألحق بك، وأخبرنى أنك على أمره. فقال لى: أقم عندى.

فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه. فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة قلت له: يا فلان إن فلانا أوصى بى إليك، وأمرنى باللحوق بك، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصى بى؟ وبم تأمرنى؟ فقال: يا بنى، والله ما أعلم رجلا على ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين «٢» ، وهو فلان فالحق به.

فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين، فأخبرته خبرى، وما أمرنى به صاحبى فقال: أقم عندى. فأقمت عنده، فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فو الله ما لبث أن نزل به الموت، فلما حضر قلت له: يا فلان إن فلانا كان أوصى بى إلى فلان، ثم أوصى بى فلان إليك، فإلى من توصى بى: وبم تأمرنى.


(١) الموصل: فى الجانب الغربى من دجلة، وسميت بهذا الاسم؛ لأنها وصلت بين الفرات ودجلة، وشراب أهلها من ماء الدجلة. انظر: الروض المعطار (ص ٥٦٣) ، نزهة المشتاق (١٩٩) .
(٢) نصيبين: مدينة فى ديار ربيعة العظمى، وهى من بلاد الجزيرة بين دجلة والفرات، وهى قديمة عظيمة كثيرة الأنهار، ولها نهار عظيم، يقال له الهرماس عليه قناطر حجارة، وأهلها قوم من ربيعة من بنى تغلب، وافتتحها عياض بن غنم الفهرى فى خلافة عمر رضى الله عنه سنة ثمان عشرة، وكانت مدينة رومية، فلما افتتحها عياض أسكنها المسلمين. انظر: الروض المعطار (ص ٥٧٧) ، نزهة المشتاق (١٩٩) ، آثار البلاد (٤٦٧) .