للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعن بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراده الله بكرامته وابتدائه بالنبوة، كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت ويفضى إلى شعاب مكة وبطون أوديتها، فلا يمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحجر ولا شجرة إلا قال: السلام عليك يا رسول الله. فيلتفت حوله عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى إلا الشجر والحجارة، فمكث كذلك يرى ويسمع ما شاء الله أن يمكث، ثم جاءه جبريل بما جاءه من كرامة الله وهو بحراء فى رمضان «١» .

وعن عبيد بن عمير بن قتادة الليثى، يحدث كيف كان بدء ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين جاءه جبريل قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور فى حراء من كل سنة شهرا، وكان ذلك مما تحنث به قريش فى الجاهلية، والتحنث: التبرر.

فكان يجاور ذلك الشهر من كل سنة، يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف قبل أن يدخل بيته الكعبة، فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله، ثم يرجع إلى بيته «٢» .

حتى إذا كان الشهر الذى أراد الله به فيه ما أراد من كرامته، وذلك الشهر رمضان، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله، حتى إذا كانت الليلة التى أكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد بها جاءه جبريل بأمر الله.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءنى وأنا نائم بنمط «٣» من ديباج فيه كتاب «٤» ، فقال: إقرأ.

قلت: «ما أقرأ» فغتنى به حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلنى، فقال: اقرأ. فقلت: «ما أقرأ» فغتنى «٥» به حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلنى فقال: اقرأ، قلت: «ما أقرأ» فغتنى به حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلنى فقال: اقرأ: قلت: «ماذا أقرأ؟» ، ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لى بمثل ما صنع، قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ


(١) ذكره ابن سعد فى الطبقات (١/ ١٥٧) ، البيهقى فى دلائل النبوة (٢/ ١٤٦) ، الحاكم فى المستدرك (٤/ ٧٠) .
(٢) ذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (٣/ ١٢) .
(٣) النمط: هو ضرب من البسط.
(٤) كتاب: قال فى الروض الأنف: قال بعض المفسرين فى قوله تعالى: الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ إنها إشارة إلى الكتاب الذى جاء به جبريل حين قال له: اقرأ.
(٥) فغتنى: قال ابن الأثير: الغت والغط سواء كأنه أراد عصرنى عصرا شديدا حتى وجدت منه المشقة، كما يجد من يغمس فى الماء قهرا.