للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن عقبة: فخلص منهم ورجلاه تسيلان دما فعمد إلى حائط من حوائطهم فاستظل فى ظل حبلة منه وهو مكروب موجع، وإذا فى الحائط عتبة وشيبة ابنا ربيعة، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ورسوله.

وذكر ابن إسحاق «١» : أن الحائط كان لهما، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اطمأن، يعنى فى ظل الحبلة، قال: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتى، وقلة حيلتى، وهوانى على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربى، إلى من تكلنى؟ إلى بعيد يتجهمنى أم إلى عدو ملكته أمرى؟ إن لم يكن بك على غضب فلا أبالى ولكن عافيتك هى أوسع لى، أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بى غضبك أو يحل على سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك» «٢» .

قال: فلما رآه ابنا ربيعة وما لقى، تحركت له رحمهما، فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له: عداس، فقالا له: خذ قطفا من هذا العنب، فضعه فى هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه. ففعل عداس، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: له: كل. فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده قال: بسم الله ثم أكل، فنظر عداس فى وجهه ثم قال له: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أى البلاد أنت يا عداس وما دينك؟ قال: نصرانى وأنا من أهل نينوى «٣» . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن قرية الرجل الصالح يونس ابن متى؟ قال له عداس: وما يدريك ما يونس ابن متى؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك أخى كان نبيا وأنا نبى. فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه. فلما جاءهما عداس قالا له: ويلك، مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدى ما فى الأرض شىء خير من هذا، لقد أعلمنى بأمر لا يعلمه إلا نبى. قالا: ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه «٤» .


(١) انظر: السيرة (٢/ ٣٠) .
(٢) انظر الحديث فى: تفسير الطبرى (١/ ٨٠، ٨١) ، وضعفه الألبانى فى ضعيف الجامع (١/ ٣٥٨) .
(٣) نينوى: هى قرية يونس بن متى عليه السلام بالموصل وبسواد الكوفية، ناحية يقال لها نينوى منها كربلاء.
(٤) انظر تخريج الحديث السابق.