للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألم تر أمرا كان من عجب الدهر ... وللحين أسباب مبينة الأمر

وما ذاك إلا أن قوما أفادهم ... فخانوا تواص بالعقوق وبالكفر

عشية راحوا نحو بدر بجمعهم ... فكانوا رهونا للركية من بدر «١»

وكنا طلبنا العير لم نبغ غيرها ... فساروا إلينا فالتقينا على قدر

فلما التقينا لم تكن مثنوية ... لنا غير طعن بالمثقفة السمر

وضرب ببيض يختلى الهام حدها ... مشهرة الألوان بينة الأثر

ونحن تركنا عتبة الغى ثاويا ... وشيبة فى القتلى تجرجم فى الجفر

وعمرو ثوى فيمن ثوى من حماتهم ... فشقت جيوب النائحات على عمرو

جيوب نساء من لؤى بن غالب ... كرام تفر عن الذوائب من فهر

أولئك قوم قتلوا فى ضلالهم ... وخلوا لواء غير محتضر النصر

لواء ضلال قاد إبليس أهله ... فخاس بهم إن الخبيث إلى غدر

وقال لهم إذ عاين الأمر واضحا ... برئت إليكم ما بى اليوم من صبر

فإنى أرى ما لا ترون وإننى ... أخاف عقاب الله والله ذو قسر «٢»

فقدمهم للحين حتى تورطوا ... وكان بما لم يخبر القوم ذا خبر «٣»

فكانوا غداة البئر ألفا وجمعنا ... ثلاث مئين كالمسدمة الزهر «٤»

وفينا جنود الله حين يمدنا ... بهم فى مقام ثم مستوضح الذكر

فشد بهم جبريل تحت لوائنا ... لدى مأزق فيه مناياهم تجرى «٥»

وقال على بن أبى طالب- رضى الله عنه- فى يوم بدر، ولم ير ابن هشام أحدا يعرفها من أهل العلم بالشعر:

ألم تر أن الله أبلى رسوله ... بلاء عزيز ذى اقتدار وذى فضل «٦»

بما أنزل الكفار دار مذلة ... فلاقوا هوانا من إسار ومن قتل

فآمسى رسول الله قد عز نصره ... وكان رسول الله أرسل بالعدل

فجاء بفرقان من الله منزل ... مبينة آياته لذوى العقل


(١) الرهون: جمع رهن. والركية: البئر المطوية بالحجارة.
(٢) القسر: الغابة والقهر.
(٣) تورطوا: وقعوا فى هلكة.
(٤) المسدمة: الفحول من الإبل. والزهر: جمع أزهر وأراد به البيض.
(٥) المأزق: الموضع الضيق فى الحرب.
(٦) أبلى رسوله: منّ عليه وصنع له صنعا حسنا.