للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين. فغضب عبد الله بن أبى بن سلول فقال: أقد فعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا فى بلادنا، والله ما أعدنا وجلابيب قريش هؤلاء إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك، وأما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. ثم أقبل على من حضره من قومه- وفيهم زيد بن أرقم غلام حدث- فقال:

هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم.

فمشى زيد بن أرقم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، وذلك عند فراغه من عدوه، وعنده عمر بن الخطاب، فقال: مر به عباد بن بشر فليقتله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، لا ولكن أذن بالرحيل» «١» .

وذلك فى ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها.

فارتحل الناس وقد مشى عبد الله بن أبى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغة أن زيدا بلغه ما سمع منه، فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به. وكان فى قومه شريفا عظيما، فقال من حضر من الأنصار من أصحابه: يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم فى حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل. حدبا على ابن أبى ودفعا عنه.

فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ثم قال: يا نبى الله، والله لرحت فى ساعة منكرة ما كنت تروح فى مثلها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟» قال: وأى صاحب يا رسول الله؟ قال:

«عبد الله بن أبى» . قال: وما قال؟ قال: «زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل» «٢» .

قال: فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز. ثم قال: يا رسول الله صلى الله عليك ارفق به، فو الله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه ليرى أن قد استلبته ملكا!

ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى وليلتهم حتى أصبح، وسار يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما، وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذى كان بالأمس ثم راح


(١) انظر الحديث فى: مصنف ابن أبى شيبة (١٢/ ٥٤٠، ١٤/ ٤٣٢) .
(٢) انظر الحديث فى: تفسير الطبرى (٢٨/ ٧٥) .