للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لو خلوا بينى وبين سائر العرب فإن هم أصابونى كان الذى أرادوا، وإن أظهرنى الله عليهم دخلوا فى الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة؛ فما تظن قريش؟

فو الله لا أزال أجاهد على الذى بعثنى الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة» «١» .

ثم قال: «من رجل يخرج بنا على غير طريقهم؟» «٢» فقال رجل من أسلم: أنا، فسلك بهم طريقا وعرا أجرل بين شعاب، فلما خرجوا منه وقد شق عليهم وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قولوا: نستغفر الله ونتوب إليه» . فقالوا ذلك، فقال: «والله إنها للحطة التى عرضت على بنى إسرائيل فلم يقولوها» «٣» .

فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: «اسلكوا ذات اليمين بين ظهرى الحمص فى طريق تخرج على ثنية المرار «٤» » ، فهبط الحديبية من أسفل مكة. فسلك الجيش ذلك الطريق، فلما رأت خيل قريش هدة الجيش قد خالفوا عن طريقهم وكفوا راجعين إلى قريش، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا سلك فى ثنية المرار بركت ناقته، فقال الناس: خلأت.

فقال: «ما خلأت، وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، لا تدعونى قريش اليوم إلى خطة يسلون فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها «٥» » ، ثم قال للناس:

«انزلوا» . قيل: يا رسول الله، ما بالوادى ماء ننزل عليه. فأخرج صلى الله عليه وسلم سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه، فنزل فى قليب من تلك القلب، فغرزه غى جوفه فجاش بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن.

فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه بديل بن ورقاء فى رجال من خزاعة فكلموه وسألوه ما الذى جاء له، فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا وإنما جاء زائرا للبيت ومعظما لحرمته، ثم قال لهم نحوا قال لبسر بن سفيان، فرجعوا إلى قريش فقالوا: إنكم تعجلون على محمد، إن محمدا لم يأت لقتال إنما جاء زائرا لهذا البيت. فاتهموهم وجبهوهم وقالوا:

إن كان جاء ولا يريد قتالا فو الله لا يدخلها علينا عنوة أبدا ولا تحدث بذلك عنا العرب.

ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص بن الأخيف أخا بنى عامر بن لؤى، فلما رآه رسول


(١) انظر الحديث فى: مسند الإمام أحمد (٤/ ٣٢٣) ، كنز العمال للمتقى الهندى (١١٣٠٧) ، تفسير ابن كثير (٧/ ٣٢٨) ، البداية والنهاية لابن كثير (٤/ ١٦٥) .
(٢) انظر الحديث فى: البداية والنهاية لابن كثير (٤/ ١٦٥) .
(٣) انظر الحديث السابق.
(٤) ثنية المرار: حشيشة مرة إذا أكلتها الإبل قلصت مشافرها.
(٥) انظر الحديث فى: مسند الإمام أحمد (٤/ ٣٢٣) ، البداية والنهاية لابن كثير (٤/ ١٦٥) .