للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقام قصى بأرض قضاعة لا ينسب إلا إلى ربيعة بن حرام.

فناضل يوما رجلا من قضاعة يدعى رفيعا، فنضله قصى، وهو يومئذ شاب، فغضب المنضول، فوقع بينهما حتى تقاولا وتنازعا، فقال رفيع: ألا تلحق ببلدك وبقومك، فإنك لست منا!.

فرجع قصى إلى أمه، وقد وجد فى نفسه مما قال، فسألها عن ذلك فقالت: أو قد قال هذا؟ أنت والله يا بنى أكرم منه نفسا ووالدا ونسبا وأشرف منزلا، أنت ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشى، وقومك بمكة عند البيت الحرام وفيما حوله، تفد العرب إلى ذلك البيت، وقد قالت لى كاهنة رأتك: هذا يلى أمرا جليلا، فطب نفسا.

فأجمع قصى الخروج إلى قومه واللحوق بهم، وكره الغربة بأرض قضاعة، وضاق ذرعا بالمقام فيهم، فقالت له أمه: لا تعجل حتى يدخل عليك الشهر الحرام، فتخرج فى حاج العرب، فإنى أخشى عليك أن يصيبك بعض الناس.

فأقام قصى حتى إذا دخل الشهر الحرام وخرج حاج قضاعة خرج معهم، وهم يظنون أنه إنما يريد الحج ثم يرجع إلى بلاده، حتى قدم مكة، فلما فرغ من الحج أقام بها، وعالجه القضاعيون على الخروج معهم فأبى.

وكان رجلا جلدا نهدا نسيبا، فلم ينشب أن خطب إلى حليل بن حبشية ابنته حبى، فعرف حليل النسب ورغب فى الرجل فزوجه، وحليل يومئذ يلى أمر مكة والحكم فيها وحجابة البيت.

فأقام قصى معه بمكة، وولدت له حبى بنيه عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى وعبدا.

فلما انتشر ولد قصى وكثر ماله وعظم شرفه هلك حليل، فرأى قصى أنه أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة وبنى بكر، وأن قريشا قرعة إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وصريح ولده.

فكلم رجالا من قريش وبنى كنانة، ودعاهم إلى إخراج خزاعة وبنى بكر من مكة، فأجابوه إلى ذلك، فكتب عند ذلك قصى إلى أخيه من أمه رزاح بن ربيعة، يدعوه إلى نصرته والقيام معه، فخرج رزاح ومعه إخوته لأبيه، حن ومحمود وجلهمة، فيمن تبعهم من قضاعة فى حاج العرب، وهم مجمعون لنصر قصى والقيام معه.