للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفد غسان «١»

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد غسان.

قالوا أو من قاله منهم فيما ذكر الواقدى عنهم: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان سنة عشر، ونحن ثلاثة نفر، فلما كنا برأس الثنية لقينا رجل على فرس متنكب قوسا، فحيانا بتحية الإسلام، فرددنا عليه تحيتنا، فقال: من أنتم؟ قلنا: رهط من غسان، قد قدمنا على محمد نسمع من كلامه ونرتاد لقومنا، قال: فانزلوا حيث ينزل الوفد، قلنا:

وأين ينزل الوفد؟ قال: دار رملة بنت الحارث، ويقال: الحارث، ثم ائتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلموه، قلنا: ونقدر عليه كلما أردنا؟ قال: فتبسم، فقال: أى لعمرى، إنه ليطوف بالأسواق ويمشى وحده، وكنا قوما نسمع كلام النصارى وصفتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يمشى وحده لا شرطة معه، ويرعب من يراه منهم، فقلنا للرجل: من أنت لك الجنة؟

قال: أنا أبو بكر بن أبى قحافة، فقلنا: أنت فيما يزعم النصارى تقوم بهذا الأمر بعده، قال أبو بكر: الأمر إلى الله عز وجل، ثم قال: كيف تخدعون عن الإسلام وقد خبركم أهل الكتاب بصفته، وأنه آخر الأنبياء؟ قلنا: هو ذاك، فمضى ومضينا نسأل عن دار رملة حتى انتهينا إليها فنصادف وفودا من العرب كلهم مصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم، فقلنا فيما بيننا: أترانا شر من نزى من العرب؟ ثم خرجنا حتى نلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند باب المسجد واقفا، فأمدنا ببصره، وقال: «أنتم الغسانيون؟» قلنا: نعم، قال: «قدمتم مرتادين لقومكم فما انتفعتم بعلم من كان معكم من أهل الكتاب» . قلنا: يا محمد، لم نر أحدا منهم اتبعك، فوقفنا عنك لذلك، ونحن الآن على غير ما كنا عليه، فالإم تدعو؟ قال:

«أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وخلع ما دعى من دونه، وأنى رسول الله» . قال قائلهم: فمن معك من اتباعك؟ قال: «الله جل وعز معى والملائكة: جبريل وميكائيل، والأنبياء، وصالح المؤمنين» ، ثم التفت ونظر إلى عمر، ولم ير أبا بكر، فقال: «هذا وصاحبه» ، قلنا: ابن أبى قحافة؟ قال: «نعم» ، قلنا: إنك لتأوى إلى ركن شديد، وقد صدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حق، ولا ندرى أيتبعنا قومنا أم لا، وهم يحبون بقاء ملكهم وقرب قيصر «٢» .

ثم أسلموا، وأجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوائز، وانصرفوا راجعين، فقدموا على قومهم،


(١) راجع: المنتظم لابن الجوزى (٣/ ٣٨٢) ، طبقات ابن سعد (١/ ٢/ ٧١) ، تاريخ الطبرى (٣/ ١٣٠) .
(٢) انظر الحديث فى: تاريخ الطبرى (٣/ ١٣٠) ، طبقات ابن سعد (١/ ٢/ ٧١) .