للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته:

أين المفر والإله الطالب ... والأشرم المغلوب ليس الغالب

وقال نفيل أيضا:

ألا حييت عنا يا ردينا ... نعمناكم مع الإصباح عينا

ردينة لو رأيت ولا تريه ... لدى جنب المحصب ما رأينا

إذا لعذرتنى وحمدت أمرى ... ولم تأسى على ما فات بينا

حمدت الله إذ أبصرت طيرا ... وخفت حجارة تلقى علينا

فكل القوم يسأل عن نفيل ... كأن علىّ للحبشان دينا «١»

فخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون بكل مهلك على كل منهل، وأصيب أبرهة فى جسده وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة، كلما سقطت أنملة منها اتبعتها مدة تمث قيحا ودما، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، فيما يزعمون.

ويقال: إنه أول ما رئيت الحصبة والجدرى بأرض العرب ذلك العام، وإنه أول ما رئى بها مرائر الشجر الحرمل «٢» والحنظل والعشر «٣» ذلك العام.

فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم كان مما يعد الله على قريش من نعمته عليهم وفضله، ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم، فقال تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ.

وقالت عائشة رضى الله عنها: لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعمين مقعدين يستطعمان.

قال ابن إسحاق: فلما رد الله الحبشة عن مكة وأصابهم ما أصابهم به من النقمة،


(١) ذكر هذه الأبيات فى السيرة (١/ ٦٢) . فقال:
ألا حييت عنا يا ردينا ... نعمناكم مع الإصباح عينا
أتانا قابس منكم عشاء ... فلم يقدر لقابسكم لدينا
ثم ذكرها سواء.
(٢) الحرمل: حب نبات معروف يخرج السوداء والبلغم إسهالا.
(٣) العشر: شجر مر يحمل ثمرا كالأترج وليس فيه منتفع.