للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحدثني الحرمازي قال: لما أتى المنصور مخرج محمد بن عبد الله شنّ عليه درعه، ولبس خفّه، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

مالي أكفكف عن سعد ويشتمني … ولو شتمت بني سعد لقد سكنوا

جهلا علينا وجبنا عن عدوهم … لبئست الخلّتان الجهل والجبن

أما والله لقد عجزوا عما قمنا به، فما عضدوا الكافي، ولا شكروا المنعم، فماذا حاولوا، أشرب رنقا (١) على غصص، وأبيت منهم على مضض، كلا والله إني لا أصل ذا رحم بقطيعة نفسي، ولئن لم يرض بالعفو منّي ليطلبنّ مالا يوجد عندي، ولأن أقتل معذورا أحبّ إليّ من أن أحيا مستذلا، فليبق ذو نفس على نفسه قبل أن يقضي نحبه، ثم لا أبكي عليه ولا تذهب نفسي حسرة لما ناله.

حدثني بعض أصحابنا عن ابراهيم بن عيسى الهاشمي قال: خطب المنصور يوم عرفة فقال: «أيها الناس إنما انا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده وإرشاده، وخازنه على ماله وفيئه أعمل فيه بمشيئته وأقسمه بارادته وأعطيه باذنه، وقد جعلني الله عليه قفلا، فإذا شاء أن يفتحني فتحني، فارغبوا إلى الله واسألوه في هذا اليوم الشريف الذي وهب لكم فيه من فضله ما أعلمكم في كتابه إذ يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً﴾ (٢)، أن يوفقني للصواب ويسددني للرشاد، ويلهمني الرأفة بكم، وقسم أرزاقكم فيكم بالعدل عليكم، والإحسان إليكم».


(١) - رنق الماء: كدر. القاموس.
(٢) - سورة المائدة - الآية:٣.