للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لعبد الملك طعاما فدخل عبد الملك قصر الكوفة من النخيلة فقال له عمرو تأذن لخاصّتك أم تجعله إذنا عامّا؟ فقال: بل اجعله إذنا عامّا، فأذن للناس ووضعت الموائد فأكل عبد الملك وأكلوا، ويقال: إنّ عبد الملك اجلس عمرا معه على المائدة فقال له: أي الطعام أحبّ إليك وأطيب عندك؟ فقال:

عناق حمراء قد أجيد تمليحها وأحكم نضجها فقال عبد الملك: ما صنعت يا أبا سعيد رحمك الله شيئا، فأين أنت عن عمروس (١) راضع قد أجيد سمطه، واحكم شيّه إذا اختلجت منه عضوا تبعك العضو الذي يليه، فلما فرغوا من طعامهم أقبل عبد الملك يدور في القصر ومعه عمرو بن حريث، وجعل يسأله عمّا أحدث فيه رجل رجل، ويسأله أيضا عمّا أشرف عليه من قصور الكوفة فيقول: هذا لفلان، وهذا لفلان، وأحدث هذا فلان، وجعل عبد الملك ينشد:

فكلّ جديد يا أميم إلى بلى … وكلّ امرئ يوما يصير إلى كان

ثم استلقى على فراشه وأنشد

إعمل على مهل فإنّك ميّت … واكدح لنفسك أيّها الإنسان

فكأنّ ما قد كان لم يك إذ مضى … وكأن ما هو كائن قد كان

وقال بعضهم: إنّ عبد الملك أمر فاتّخذ له الطعام ووضعت الموائد فجاء عمرو بن حريث يتريبل (٢) في مشيته فاستدناه وأكل معه وسأله عن أطيب الطعام فأجابه بما ذكرنا، وأنّ الطعام كان بالخورنق، قال: فلما أكل


(١) بهامش الأصل: حمل.
(٢) يقال لص ريبال وذئب ريبال وهو من الجرأة وارتصاد الشر، والريبال الأسد، والمقصود أنه جاء يمشي على حذر. انظر اللسان.