للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لي يا رسول الله. فقال: يغفر الله لك، وقال عمر: يا رسول الله، هذا سهيل خطيب قريش؛ أفأنزع ثنيته فلا يقوم خطيبا بك أبدا؟ فقال: دعه، فعسى أن يقوم مقاما تحمده، وينفع الله به. فأسلم يوم الفتح وحسن إسلامه؛ فلما قبض النبي ﷺ، كان عتاب ابن أسيد على مكة، فقام سهيل فقال: يا أيها الناس أنا أكثر قريش قتبا (١) في برّ، وجارية في بحر، فأقرّوا أميركم وأعطوه صدقاتكم وأنا ضامن إن لم يتم الأمر أن أردّها إليكم.

وبكى، وسكن الناس، ورجع عتاب. فلما كانت خلافة عمر، أتاه سهيل، والحارث بن هشام، ليسلما عليه، فقدّم قبلهما صهيبا وعمارا.

فغضب الحارث بن هشام من ذلك. فقال سهيل: دعينا ودعوا، فأجابوا وأبطأنا ثم نغضب أن يقدموا علينا؛ فأما إذا فاتنا الجهاد مع رسول الله ﷺ، فإنا نطلبه بعده. فخرجا إلى الشأم مجاهدين، فماتا هناك.

قال الواقدي: رمى سعد سهيلا، فأصاب بنساه (٢)؛ وجاء مالك فأسره.

وحدثني مصعب بن عبد الله، عن أشياخهم قال:

رأى أسامة بن زيد سهيلا، فقال: «هذا الذي كان يطعم الثريد بمكة». فقال رسول الله ﷺ: «هذا أبو يزيد الذي كان يطعم الطعام، ولكنه سعى في إطفاء نور الله فأمكن الله منه». وكان لما أسر، هرب، فخرجوا في طلبه، فوجده النبي ﷺ بين سمرات. فأمر به، فربطت يده إلى عنقه وجنّب إلى راحلته. وفيه يقول أمية بن أبي الصلت الثقفي:

يا با يزيد رأيت سيبك واسعا … وسماء جودك تستهلّ فتمطر (٣)


(١) - أي أكثر الناس جمالا، فالقتب هو الرحل الذي يوضع على الجمل.
(٢) - أي أصابه بوركه.
(٣) - ديوان أمية بن أبي الصلت - ط. دمشق ١٩٧٧ ص ٣٩٣.