للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا سبحان الله، أتبكي على الفرزدق؟ فقال: والله ما أبكي إلا على نفسي، أما والله إن بقائي خلافه لقليل، إنه قلما كان مثلنا زوجان يجتمعان على خير أو شرّ ويتهاديانه إلا كان أمد ما بينهما قريبا، ثم أنشأ يقول:

فجعنا بحمال الديات ابن غالب … وحامي تميم كلها والمراجم

بكيناك حدثان الفراق وإنما … بكيناك شجوا للأمور العظائم

فلا حملت بعد ابن ليلى مهيرة … ولا مد أنساع المطيّ الرواسم (١)

ليلى بنت جابر جدته. وقال جرير يرثي الفرزدق أيضا.

فلا حملت بعد الفرزدق مرضع … ولا ذات بعل من نفاس تعلّت (٢)

هو الوافد المحبوّ والراتق الثأي (٣) … إذا النعل يوما بالعشيرة زلت (٤)

قال أبو عبيدة: فما بقي جرير بعد الفرزدق إلا قليلا حتى مات.

وسمعت محمد بن زياد الأعرابي يقول: بقي جرير بعد الفرزدق أربعين يوما، وكان يوم بلغه موت الفرزدق عند المهاجر بن عبد الله الكلابي.

وحدثنا أبو الحسن عن مسلمة وغيره قالوا: لما مرض الفرزدق مرضته التي مات فيها أوصى لمولاة له بثلاثمائة درهم، فلما اشتد وجعه أنشأ يقول:

إلى من تفزعون إذا حثوتم … بأيديكم عليّ من التراب

ومن هذا يقوم لكم مقامي … إذا ما الخصم كلّ عن الجواب (٥)


(١) ليسوا في ديوان جرير المطبوع.
(٢) تعلت: طهرت.
(٣) الثأي: الإفساد، والجراح والقتل ونحوه. القاموس.
(٤) ديوان جرير ص ٧٢.
(٥) ديوان الفرزدق ج ١ ص ٩٥، البيت الأول فقط.