للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللغة والنحو والفقه والتفسير والحديث، كما كان ينهل من جداول الشعر والأدب والرواية، ثم ما لبث أن ظهر في حقبة اضمحل فيها مذهب المعتزلة الذين هيمنوا على شؤون العقيدة الإسلامية طوال ربع قرن تقريبا، وأكرهوا القضاة على الأخذ بمذهبهم.

وكانت الخلافة قد آلت إلى المتوكل [٢٣٢ - ٢٤٧ هـ /٨٤٦ - ٨٦١ م] فبادر في خطوة منه إلى التقرب إلى العامة، بإلغاء الاعتزال وإعلاء شأن السنة وتقريب علمائها، ومن الطبيعي أن يكون البلاذري واحدا من هؤلاء، وأن ينضم إلى جماعة النخبة من الشعراء والأدباء والمحدثين الذين كانوا يحيطون بالخليفة المتوكل، بل لقد أفلح في أن يكون واحدا من أصفيائه وندمائه وجلسائه، وهي مرتبة لم يصل إليها إلا أكابر الشعراء وعلى رأسهم البحتري الشاعر الشامي الذي كان شاعر الخليفة الخاص به.

وهكذا انخرط البلاذري في قافلة الأدباء المتكسبين بشعرهم، فنظم القصائد في مدح الخلفاء والوزراء وكبار قادة الدولة، لكنه كان في الوقت نفسه هجّاء بارعا لم يسلم حتى الوزراء والرؤوساء من لسانه، ومنهم وهب بن سليمان بن وهب الذي كان من جلساء الوزير عبيد الله بن خاقان، وحدث أن حبق في حضرته فهجاه البلاذري بقصيدة قال فيها:

أيا ضرطة حسبت رعدة … تنوّق (١) في سلّها جهده

تقدّم وهب بها سابقا … وصلّى (٢) أخو صاعد بعده

لقد هتك الله ستريهما … كذلك من يطعم الفهده (٣)


(١) - تنوق: تأنّق.
(٢) - المصلي: هو الذي يأتي تاليا في السباق.
(٣) - الفهده: الاست.

<<  <  ج: ص:  >  >>