للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- ٧٤١ -

لتبادر الْمَعْنى المُرَاد مِنْهُ بِكَثْرَة اسْتِعْمَاله وَتحقّق تنزه الله عَن لَوَازِم الْمَعْنى الْمَقْصُود فِي الْوَضع مِمَّا لَا يَلِيق بِجلَال الله، كَمَا نطلق الْعَلِيم على الله مَعَ التيقن بتجرد علمه عَن الْحَاجة إِلَى النّظر وَالِاسْتِدْلَال وَسبق الْجَهْل، وكما نطلق الْحَيّ عَلَيْهِ تَعَالَى مَعَ الْيَقِين بتجرد حَيَاته عَن الْعَادة والتكون، ونطلق الْقُدْرَة مَعَ الْيَقِين بتجرد قدرته عَن المعالجة والاستعانة، فوصفه تَعَالَى بالرحمن الرَّحِيم من المنقولات الشَّرْعِيَّة فقد أثبت الْقُرْآن رَحْمَة الله فِي قَوْله {ورحمتي وسعت كل شَيْء} فَهِيَ منقولة فِي لِسَان الشَّرْع إِلَى إِرَادَة الله إِيصَال الْإِحْسَان إِلَى مخلوقاته فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وغالب الْأَسْمَاء الْحسنى من هَذَا الْقَبِيل.

وَيَقُول: وَإِذا كَانَت حَقِيقَة الْغَضَب يَسْتَحِيل اتصاف الله تَعَالَى بهَا، وإسنادها إِلَيْهِ على الْحَقِيقَة، للأدلة القطعية الدَّالَّة على تَنْزِيه الله تَعَالَى عَن التغيرات الذاتية والعرضية؛ فقد وَجب على الْمُؤمن صرف إِسْنَاد الْغَضَب إِلَى الله عَن مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ، وَطَرِيقَة أهل الْعلم وَالنَّظَر فِي هَذَا الصّرْف أَن يصرف اللَّفْظ إِلَى الْمجَاز بعلاقة اللُّزُوم أَو إِلَى الْكِنَايَة بِاللَّفْظِ عَن لَازم مَعْنَاهُ، فَالَّذِي يكون صفة لله من معنى الْغَضَب هُوَ لَازمه، أَعنِي: الْعقَاب والإهانة يَوْم الْجَزَاء واللعنة أَي الإبعاد عَن أهل الدَّين وَالصَّلَاح فِي الدُّنْيَا أَو هُوَ من قبيل التمثيلية. وَكَانَ السّلف فِي الْقرن الأول ومنتصف الْقرن الثَّانِي يمسكون عَن تَأْوِيل هَذِه المتشابهات، لما رَأَوْا فِي ذَلِك الْإِمْسَاك من مصلحَة الِاشْتِغَال بِإِقَامَة الْأَعْمَال الَّتِي هِيَ مُرَاد الشَّرْع من النَّاس، فَلَمَّا نَشأ النّظر فِي الْعلم وطلبوا معرفَة حقائق الْأَشْيَاء وَحدث قَول النَّاس فِي مَعَاني الدَّين بِمَا لَا يلائم الْحق، لم يجد أهل الْعلم بَدَأَ من توسيع أساليب التَّأْوِيل الصَّحِيح لإفهام الْمُسلم وكبت الملحد، فَقَامَ الدَّين بصنيعهم على قَوَاعِده، وتميز المخلص لَهُ عَن ماكره وجاحده، وكل فِيمَا صَنَعُوا على هدى. وَبعد الْبَيَان لَا يرجع إِلَى الْإِجْمَال أبدا، وَمَا تأولوه