للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَنْ أَبِي خَالِدٍ الْيَمَانِيِّ (١) أَنَّهُ قَالَ: دَخَلَتُ تِلْكَ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ كُلَّ عُنْقُودٍ مِنْهَا كَالرَّجُلِ الْأَسْوَدِ الْقَائِمِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَنْ يُبْدِلَنا بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ. وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ يُبْدِلَنا بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ وَهُمَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ.

قَالَ ابْنُ الْفَرْسِ فِي «أَحْكَامِ الْقُرْآنِ» : اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَلَى

أَنَّ مَنْ تَعْمَّدَ إِلَى نَقْصِ النِّصَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ قَصْدًا لِلْفِرَارِ مِنَ الزَّكَاةِ أَوْ خَالَطَ غَيْرَهُ، أَوْ فَارَقَهُ بَعْدَ الْخِلْطَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ عَنْهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.

وَوَجْهُ الْاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ أَنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ قَصَدُوا بِجَذِّ الثِّمَارِ إِسْقَاطَ حَقِّ الْمَسَاكِينِ فَعَاقَبَهُمُ اللَّهُ بِإِتْلَاف ثمارهم.

[٣٣]

[سُورَة الْقَلَم (٦٨) : آيَة ٣٣]

كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣)

رُجُوعٌ إِلَى تَهْدِيدِ الْمُشْرِكِينَ الْمَبْدُوءِ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّا بَلَوْناهُمْ [الْقَلَم: ١٧] ، فَالْكَلَامُ فَذْلَكَةٌ وَخُلَاصَةٌ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ.

وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ هُوَ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْقِصَّةُ مِنْ تَلَفِ جَنَّتِهِمْ وَمَا أَحَسُّوا بِهِ عِنْدَ رُؤْيَتِهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، وَتَنَدُّمِهِمْ وَحَسْرَتِهِمْ، أَيْ مِثْلُ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ يَكُونُ الْعَذَابُ فِي الدُّنْيَا، فَقَوْلُهُ: كَذلِكَ مُسْنَدٌ مُقَدَّمٌ والْعَذابُ مُسْنَدٌ إِلَيْهِ، وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ لِلْاهْتِمَامِ بِإِحْضَارِ صُورَتِهِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي الْعَذابُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ وَفِيهِ تَوْجِيهٌ بِالْعَهْدِ الذِّهْنِيُّ، أَيْ عَذَابُكُمُ الْمَوْعِدُ مِثْلُ عَذَابِ أُولَئِكَ وَالْمُمَاثَلَةُ فِي إِتْلَافِ الْأَرْزَاقِ وَالْإِصَابَةِ بِقَطْعِ الثَّمَرَاتِ.

وَلَيْسَ التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: كَذلِكَ الْعَذابُ مِثْلَ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [الْبَقَرَة: ١٤٣] ، وَنَحْوِهِ مَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بَلْ مَا هُنَا مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ


(١) كَذَا فِي تَفْسِير الْقُرْطُبِيّ ونفائس المرجان والآلوسي. وَوَقع فِي تَفْسِير الْقُرْطُبِيّ: أَنه اليمامي، وَلم أَقف على تَرْجَمته.