للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُتَعَارَفِ لِوُجُودِ مَا يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونَ مُشَبَّهًا بِهِ الْعَذَابُ وَهُوَ كَوْنُ الْمُشَبَّهِ بِهِ غَيْرِ الْمُشَبَّهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ [هود: ١٠٢] بِخِلَافِ مَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ هُوَ عَيْنُ الْمُشْبَّهِ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ فِي بُلُوغِ الْمُشَبَّهِ غَايَةَ مَا يَكُونُ فِيهِ وَجْهُ الشّبَه بِحَيْثُ إِذا أُرِيدَ تَشْبِيهُهُ لَا يَلْجَأُ إِلَّا إِلَى تَشْبِيهِهِ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ كِنَايَةً عَنْ بُلُوغِهِ أَقْصَى مَرَاتِبَ وَجْهِ الشَّبَهِ.

وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ مُمَاثَلَةٌ فِي النَّوْعِ وَإِلَّا فَإِنَّ مَا تُوُعِّدُوا بِهِ مِنَ الْقَحْطِ أَشَدُّ مِمَّا أَصَابَ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ وَأَطْوَلُ.

وَقَوْلُهُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: كَذلِكَ الْعَذابُ عَذَابُ الدُّنْيَا.

وَضَمِيرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ الْغَائِبِ فِي قَوْله: بَلَوْناهُمْ

[الْقَلَم: ١٧] ، وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ عَذَابَ الْآخِرَةِ فَهُدِّدُوا بِعَذَابِ الدُّنْيَا، وَلَا يَصِحُّ عَوْدُهُ إِلَى أَصْحابَ الْجَنَّةِ [الْقَلَم: ١٧] لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِعَذَابِ الْآخِرَة وشدته.

[٣٤]

[سُورَة الْقَلَم (٦٨) : آيَة ٣٤]

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤)

اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ مَا ذُكِرَ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ لِلْمُجْرِمِينَ أَنْ يَنْشَأَ عَنْهُ سُؤَالٌ فِي نفس السَّامع يَقُول: فَمَا جَزَاءُ الْمُتَّقِينَ؟ وَهُوَ كَلَامٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ [الْقَلَم: ١٦] وَقَوْلِهِ: كَذلِكَ الْعَذابُ [الْقَلَم: ٣٣] . وَقَدْ أَشْعَرَ بِتَوَقُّعِ هَذَا السُّؤَالِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ [الْقَلَم: ٣٥] كَمَا سَيَأْتِي.

وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمَسْنَدِ إِلَيْهِ لِلْاهْتِمَامِ بِشَأْنِ الْمُتَّقِينَ لِيَسْبِقَ ذِكْرُ صِفَتِهِمُ الْعَظِيمَةِ ذِكْرَ جَزَائِهَا.

وَاللَّامُ لِلْاسْتِحْقَاقِ. وعِنْدَ ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنَى الْكَوْنِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ حَرْفُ الْجَرِّ، وَلِذَلِكَ قُدِّمَ مُتَعَلَّقُهُ مَعَهُ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْاهْتِمَامِ. وَقَدْ حَصَلَ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ بِمَا مَعَهُ طُوُلٌ يُثِيرُ تَشْوِيقَ السَّامِعِ إِلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ. وَالْعِنْدِيَّةُ هُنَا عِنْدِيَّةُ كَرَامَةٍ وَاعْتِنَاءٍ.