للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(٤٣)

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ يُكْشَفُ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ [الْقَلَم: ٤١] ، أَيْ فَلْيَأْتُوا بِالْمَزْعُومِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا مِنْ حُسْنِ التَّخَلُّصِ إِلَى ذِكْرِ أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِمْ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافًا مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: اذْكُرْ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ

إِلَى السُّجُودِ إِلَخْ لِلتَّذْكِيرِ بِأَهْوَالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فِي تَعَلُّقِ يَوْمَ فَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.

وَالْكَشْفُ عَنْ سَاقٍ: مَثَلٌ لِشِدَّةِ الْحَالِ وَصُعُوبَةِ الْخَطْبِ وَالْهَوْلِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمَرْءَ إِذَا هَلَعَ أَنْ يُسْرِعَ فِي الْمَشْيِ وَيُشَمِّرَ ثِيَابَهُ فَيَكْشِفَ عَنْ سَاقِهِ كَمَا يُقَالُ: شَمِّرْ عَنْ سَاعِدِ الْجِدِّ، وَأَيْضًا كَانُوا فِي الرَّوْعِ وَالْهَزِيمَةِ تُشَمِّرُ الْحَرَائِرُ عَنْ سُوقِهِنَّ فِي الْهَرَبِ أَوْ فِي الْعَمَلِ فَتَنْكَشِفُ سُوقُهُنَّ بِحَيْثُ يَشْغَلُهُنَّ هَوْلُ الْأَمْرِ عَنِ الْاحْتِرَازِ مِنْ إِبْدَاءِ مَا لَا تُبْدِينَهُ عَادَةً، فَيُقَالُ: كَشَفَتْ عَنْ سَاقِهَا أَوْ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقِهَا، أَوْ أَبْدَتْ عَنْ سَاقِهَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الرُّقَيَّاتُ:

كَيْفَ نَوْمِي عَلَى الْفِرَاشِ وَلَمَّا ... تَشْمَلِ الشَّامَ غَارَةٌ شَعْوَاءُ

تُذْهِلُ الشَّيْخَ عَنْ بَنِيهِ وَتُبْدِي ... عَنْ خِدَامِ الْعَقِيلَةِ الْعَذْرَاءِ

وَفِي حَدِيثِ غَزْوَةِ أُحُدٍ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: «انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تَنْقُلَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا ثُمَّ تُفْرِغَانِهَا فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلَآنِهَا» إِلَخْ، فَإِذَا قَالُوا: كَشَفَ الْمَرْءُ عَنْ سَاقِهِ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ هَوْلٍ أَصَابَهُ وَإِنْ لَمْ يكن كشف سَاقه. وَإِذَا قَالُوا: كَشَفَ الْأَمْرُ عَنْ سَاقٍ، فَقَدْ مَثَّلُوهُ بِالْمَرْأَةِ الْمُرَوَّعَةِ، وَكَذَلِكَ كَشَفَتِ الْحَرْبُ عَنْ سَاقِهَا، كُلُّ ذَلِكَ تَمْثِيلٌ إِذْ لَيْسَ ثَمَّةَ سَاقٍ قَالَ حَاتِمٌ:

فَتَى الْحَرْبِ عضّت بِهِ لِحَرْب الْحَرْبُ عَضَّهَا ... وَإِنْ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقِهَا الْحَرْبُ شَمَّرَا

وَقَالَ جَدُّ طَرَفَةٍ مِنَ الْحَمَاسَةِ:

كَشَفَتْ لَهُمْ عَنْ سَاقِهَا ... وَبَدَا مِنَ الشَّرِّ الْبَوَاحُ

وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمَ تَكْشِفُ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ وَبِصِيغَةِ الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ عَلَى تَقْدِيرِِِ