للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَكُونُ اسْمُ الْإِشَارَةِ إِشَارَةً إِلَى ذَلِكَ الْكَلَامِ وَالْمَعْنَى: حَسْبُكَ إِيقَاعًا بِهِمْ أَنْ تَكِلَ أَمْرَهُمْ إِلَيَّ فَأَنَا أَعْلَمُ كَيْفَ أَنْتَصِفُ مِنْهُمْ فَلَا تَشْغَلْ نَفْسَكَ بِهِمْ وَتَوَكَّلْ عَلَيَّ.

وَيَتَضَمَّنُ هَذَا تَعْرِيضًا بِالتَّهْدِيدِ لِلْمُكَذِّبِينَ لِأَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ هَذَا الْكَلَامَ.

وَهَذَا وعد للنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّصْرِ وَوَعِيدٌ لَهُمْ بِانْتِقَامٍ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ لِتَسْلِيَةِ الرَّسُولِ.

وَجُمْلَةُ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ، بَيَان لمضمون فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْاسْتِدْرَاجَ وَالْإِمْلَاءَ يَعْقُبُهُمَا الْانْتِقَامُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: سَنَأْخُذُهُمْ بأعمالهم فَلَا تستبطىء الْانْتِقَامَ فَإِنَّهُ مُحَقَّقٌ وُقُوعُهُ وَلَكِنْ يُؤَخَّرُ لِحِكْمَةٍ تَقْتَضِي تَأْخِيرَهُ.

وَالْاسْتِدْرَاجُ: اسْتِنْزَالُ الشَّيْءِ مِنْ دَرَجَةٍ إِلَى أُخْرَى فِي مِثْلِ السُّلَّمِ، وَكَانَ أَصْلُ السِّينِ وَالتَّاءِ فِيهِ لِلطَّلَبِ أَيْ مُحَاوَلَةُ التَّدَرُّجِ، أَيِ التَّنَقُّلِ فِي الدَّرَجِ، وَالْقَرِينَةُ تَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ النُّزُولِ إِذِ التَّنَقُّلُ فِي الدَّرَجِ يَكُونُ صُعُودًا وَنُزُولًا، ثُمَّ شَاعَ إِطْلَاقُهُ عَلَى مُعَامَلَةٍ حَسَنَةٍ لِمُسِيءٍ إِلَى إِبَّانٍ مُقَدَّرٍ عِنْدَ حُلُولِهِ عِقَابُهُ وَمَعْنَى مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اسْتِدْرَاجَهُمُ الْمُفْضِيَ إِلَى حُلُولِ الْعِقَابِ بِهِمْ يَأْتِيهِمْ مِنْ أَحْوَالٍ وَأَسْبَابٍ لَا يَتَفَطَّنُونَ إِلَى أَنَّهَا مُفْضِيَةٌ بِهِمْ إِلَى الْهَلَاكِ،

وَذَلِكَ أَجْلَبُ لِقُوَّةِ حَسْرَتِهِمْ عِنْدَ حُلُولِ الْمَصَائِبِ بِهِمْ، فَ مَنْ ابْتِدَائِيَّةٌ، وحَيْثُ لِلْمَكَانِ الْمَجَازِيِّ، أَيِ الْأَسْبَابِ وَالْأَفْعَالِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي يَحْسَبُونَهَا تَأْتِيهِمْ بِخَيْرٍ فَتَنْكَشِفُ لَهُمْ عَنِ الضُّرِّ، وَمَفْعُولُ لَا يَعْلَمُونَ ضَمِيرُ مَحْذُوفٍ عَائِدٌ إِلَى حَيْثُ.

وأُمْلِي: مُضَارِعُ أَمْلَى، مَقْصُورًا بِمَعْنَى أَمْهَلَ وَأَخَّرَ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمَلَا مَقْصُورًا، وَهُوَ الْحِينُ وَالزَّمَنُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلَّيْلِ وَالنَّهَارِ: الْمَلَوَانِ، فَيَكُونُ أَمْلَى بِمَعْنَى طَوَّلَ فِي الزَّمَانِ، وَمَصْدَرُهُ إِمْلَاءٌ.

وَلَامُ لَهُمْ هِيَ اللَّامُ الْمُسَمَّاةُ لَامَ التَّبْيِينِ، وَهِيَ الَّتِي تُبَيِّنُ اتِّصَالَ مَدْخُولِهَا بِعَامِلِهِ لِخَفَاءٍ فِيهِ فَإِنَّ اشْتِقَاقَ فِعْلِ أَمْلَى مِنَ الْمَلْوِ، وَهُوَ الزَّمَانُ اشْتِقَاقٌ غَيْرُ بَيِّنٍ لِخَفَاءِ مَعْنَى الْحَدَثِ فِيهِ.

وَنُونُ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ نُونُ الْمُتَكَلِّمِ الْمُشَارِكِ، وَالْمُرَادُ اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ الْمُوَكَّلُونَ