للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالتَّسْخِيرُ: الْغَصْبُ عَلَى عَمَلٍ وَاسْتُعِيرَ لِتَكْوِينِ الرِّيحِ الصَّرْصَرِ تَكْوِينًا مُتَجَاوِزًا الْمُتَعَارَفَ فِي قُوَّةِ جِنْسِهَا فَكَأَنَّهَا مُكْرَهَةٌ عَلَيْهِ.

وَعُلِّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى أرسلها.

و (حسوم) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ حَاسِمٍ مِثْلُ قُعُودٍ جَمْعُ قَاعِدٍ، وَشُهُودٍ جَمْعُ شَاهِدٍ، غُلِّبَ فِيهِ الْأَيَّامُ عَلَى اللَّيَالِي لِأَنَّهَا أَكْثَرُ عَدَدًا إِذْ هِيَ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ وَهَذَا لَهُ مَعَانٍ:

أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: يُتَابِعُ بَعْضُهَا بَعْضًا، أَيْ لَا فَصْلَ بَيْنِهَا كَمَا يُقَالُ: صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ زُرَارَةَ الْكِلَابِيُّ (١) :

فَفَرَّقَ بَيْنَ بَيْنِهِمُ زَمَانٌ ... تَتَابَعَ فِيهِ أَعْوَامٌ حُسُومُ

قِيلَ: وَالْحُسُومُ مُشْتَقٌّ مِنْ حَسْمِ الدَّاءِ بِالْمِكْوَاةِ إِذْ يُكْوَى وَيُتَابَعُ الْكَيُّ أَيَّامًا، فَيَكُونُ إِطْلَاقُهُ اسْتِعَارَةً، وَلَعَلَّهَا مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ، وَبَيْتُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْكِلَابِيِّ مِنَ الشِّعْرِ الْإِسْلَامِيِّ فَهُوَ مُتَابِعٌ لِاسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِ.

الْمَعْنَى الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحَسْمِ وَهُوَ الْقَطْعُ، أَيْ حَاسِمَةً مُسْتَأْصِلَةً. وَمِنْهُ سُمِّيَ السَّيْفُ حُسَامًا لِأَنَّهُ يَقْطَعُ، أَيْ حَسَمَتْهُمْ فَلَمْ تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَعَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فَهُوَ صِفَةٌ لِ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ أَوْ حَالٌ مِنْهَا.

الْمَعْنَى الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ حُسُومٌ مَصْدَرًا كَالشُّكُورِ وَالدُّخُولِ فَيَنْتَصِبُ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ وَعَامِلُهُ سَخَّرَها، أَيْ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ لْاسْتِئْصَالِهِمْ وَقَطْعِ دَابِرِهِمْ.

وَكُلُّ هَذِهِ الْمَعَانِي صَالِحٌ لِأَنْ يُذْكَرَ مَعَ هَذِهِ الْأَيَّامِ، فَإِيثَارُ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ تَمَامِ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ وَإِعْجَازِهِ.

وَقَدْ سَمَّى أَصْحَابُ الْمِيقَاتِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَيَّامًا ثَمَانِيَةً مُنَصَّفَةً بَيْنَ أَوَاخِرِ فَبْرَايِرَ وَأَوَائِلِ مَارِسَ مَعْرُوفَةٌ فِي عَادَةِ نِظَامِ الْجَوِّ بِأَنْ تَشْتَدَّ فِيهَا الرِّيَاحُ غَالِبًا، أَيَّامَ الْحُسُومِ عَلَى وَجْهِ التَّشْبِيهِ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا تُقَابِلُ أَمْثَالَهَا مِنَ الْعَامِ الَّذِي أُصِيبَتْ فِيهِ عَادٌ بِالرِّيَاحِ، وَهُوَ مِنَ الْأَوْهَامِ، وَمَنْ ذَا الَّذِي رَصَدَ تِلْكَ الْأَيَّامَ.


(١) شَاعِر من شعراء صدر الدولة الأموية، كَانَ لِأَبِيهِ وَله حظوة عِنْد الْخَلِيفَة مُعَاوِيَة وَكَانَ سيد أهل الْبَادِيَة توفّي فِي غَزْوَة الْقُسْطَنْطِينِيَّة سنة ٤٦ هـ.