للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الَّذِينَ سُلِّطَ عَلَيْهِمْ عِقَابٌ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ أَعْظَمُ عِقَابٍ أَعْنِي الطُّوفَانَ. وَفِي ذَلِكَ تَمْثِيلٌ لِحَالِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْمِهِ بِحَالِهِمْ.

وَفِيهَا تَفْصِيلٌ كَثِيرٌ مِنْ دَعْوَةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَنَبْذِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَإِنْذَارِهِ قَوْمَهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَاسْتِدْلَالِهِ لَهُمْ بِبَدَائِعِ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَذْكِيرِهِمْ بِيَوْمِ الْبَعْثِ.

وَتَصْمِيمُ قَوْمِهِ عَلَى عِصْيَانِهِ وَعَلَى تَصَلُّبِهِمْ فِي شِرْكِهِمْ.

وَتَسْمِيَةُ الْأَصْنَامِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا.

وَدَعْوَةُ نُوحٍ عَلَى قَوْمِهِ بِالِاسْتِئْصَالِ.

وَأَشَارَتْ إِلَى الطُّوفَانِ.

وَدُعَاءُ نُوحٍ بِالْمَغْفِرَةِ لَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَبِالتَّبَارِ لِلْكَافِرِينَ كُلِّهِمْ.

وَتَخَلَّلَ ذَلِكَ إِدْمَاجُ وَعْدِ الْمُطِيعِينَ بِسَعَةِ الْأَرْزَاقِ وَإِكْثَارِ النَّسْلِ ونعيم الْجنَّة.

[١]

[سُورَة نوح (٧١) : آيَة ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١)

افْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِالتَّوْكِيدِ لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ إِذْ لَيْسَ الْمَقَامُ لِرَدِّ إِنْكَارِ مُنْكِرٍ، وَلَا دَفْعِ شَكٍّ عَنْ مُتَرَدِّدٍ فِي هَذَا الْكَلَامِ. وَكَثِيرًا مَا يَفْتَتِحُ بُلَغَاءُ الْعَرَبِ أَوَّلَ الْكَلَامِ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ لِهَذَا الْغَرَضِ وَرُبَّمَا جَعَلُوا (إِنَّ) دَاخِلَةً عَلَى ضَمِيرِ الشَّأْنِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ الْآيَة [النَّمْل: ٣٠، ٣١] .

وَذِكْرُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَضَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ غَيْرُ عَرَبِيٍّ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُشْتَقٍّ مِنْ مَادَّةِ النَّوْحِ.

وأَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ إِلَى آخِرِهِ هُوَ مَضْمُونُ مَا أُرْسِلَ بِهِ نُوحٌ إِلَى قَوْمِهِ، فَ أَنْ تَفْسِيرِيَّةٌ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ بَعْدَ أَرْسَلْنا. وَفِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ. وَمَعْنَى مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أَنَّهُ يُخَوِّفُهُمْ غَضَبَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ إِذْ عَبَدُوا الْأَصْنَامَ وَلَمْ يَتَّقُوا اللَّهَ وَلَمْ يُطِيعُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ رَسُولُهُ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُنْذِرَهُمْ عَذَابًا يَأْتِيهِمْ مِنَ اللَّهِ لِيَكُونَ إِنْذَارُهُ مُقَدَّمًا عَلَى حُلُولِ الْعَذَابِ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أُمِرَ