للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(٧)

كُلَّما مُرَكَّبَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ كَلِمَةِ (كُلَّ) وَهِيَ اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ مَا تُضَافُ هِيَ إِلَيْهِ، وَكَلِمَةِ (مَا) الْمَصْدَرِيَّةِ وَهِيَ حَرْفٌ يُفِيدُ أَنَّ الْجُمْلَةَ بَعْدَهُ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ. وَقَدْ يُرَادُ بِذَلِكَ الْمَصْدَرِ زَمَانُ حُصُولِهِ فَيَقُولُونَ (مَا) ظَرْفِيَّةٌ مَصْدَرِيَّةٌ لِأَنَّهَا نَائِبَةٌ عَنِ اسْمِ الزَّمَانِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَمْ يُظْهِرُوا مَخِيلَةً مِنَ الْإِصْغَاءِ إِلَى دَعْوَتِهِ وَلَمْ يَتَخَلَّفُوا عَنِ الْإِعْرَاضِ وَالصُّدُودِ عَنْ دَعْوَتِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَلِذَلِكَ جَاءَ بِكَلِمَةِ كُلَّما الدَّالَّةِ عَلَى شُمُولِ كُلِّ دَعْوَةٍ مِنْ دَعَوَاتِهِ مُقْتَرِنَةً بِدَلَائِلِ الصَّدِّ عَنْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ [الْبَقَرَة: ٢٠] .

وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ دَعَوْتُهُمْ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ [نوح: ٣] .

وَالتَّقْدِيرُ: كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ إِلَى عِبَادَتِكَ وَتَقْوَاكَ وَطَاعَتِي فِيمَا أَمَرْتُهُمْ بِهِ.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِتَغْفِرَ لَامُ التَّعْلِيلِ، أَيْ دَعَوْتُهُمْ بِدَعْوَةِ التَّوْحِيدِ فَهُوَ سَبَبُ الْمَغْفِرَةِ، فَالدَّعْوَةُ إِلَيْهِ مُعَلَّلَةٌ بِالْغُفْرَانِ.

وَيَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ: كُلَّما دَعَوْتُهُمْ بِفِعْلِ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفُ زَمَانٍ.

وَجُمْلَةُ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ خَبَرُ (إِنَّ) وَالرَّابِطُ ضَمِيرُ دَعَوْتُهُمْ.

وَجَعْلُ الْأَصَابِعِ فِي الْآذَانِ يَمْنَعُ بُلُوغَ أَصْوَاتِ الْكَلَامِ إِلَى الْمَسَامِعِ.

وَأُطْلِقَ اسْمُ الْأَصَابِعِ عَلَى الْأَنَامِلِ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ بِعَلَاقَةِ الْبَعْضِيَّةِ فَإِنَّ الَّذِي يُجْعَلُ فِي الْأُذُنِ الْأَنْمُلَةُ لَا الْأُصْبُعُ كُلُّهُ فَعَبَّرَ عَنِ الْأَنَامِلِ بِالْأَصَابِعِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي إِرَادَةِ سَدِّ الْمَسَامِعِ بِحَيْثُ لَوْ أَمْكَنَ لَأَدْخَلُوا الْأَصَابِعَ كُلَّهَا، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٩] .

وَاسْتِغْشَاءُ الثِّيَابِ: جَعْلُهَا غِشَاءً، أَيْ غِطَاءً عَلَى أَعْيُنِهِمْ، تَعْضِيدًا لِسَدِّ آذَانِهِمْ بِالْأَصَابِعِ لِئَلَّا يَسْمَعُوا كَلَامَهُ وَلَا يَنْظُرُوا إِشَارَاتِهِ. وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ الْغِشَاءُ عَلَى غِطَاءِ الْعَيْنَيْنِ، قَالَ تَعَالَى: وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ [الْبَقَرَة: ٧] . وَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِي اسْتَغْشَوْا

لِلْمُبَالَغَةِ.

فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَعْلُ الْأَصَابِعِ فِي الْآذَانِ وَاسْتِغْشَاءُ الثِّيَابِ هُنَا حَقِيقَةً بِأَنْ