للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَجُمْلَةُ قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمَأْمُورَ بِأَنْ يَقُولَهُ جَوَابٌ لِسُؤَالِهِمُ الْمُقَدَّرِ.

وَالْأَمَدُ: الْغَايَةُ وَأَصْلُهُ فِي الْأَمْكِنَةِ. وَمِنْهُ

قَوْلُ ابْنِ عُمَرٍ فِي حَدِيثِ «الصَّحِيحَيْنِ» : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ وَجَعَلَ أَمَدَهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ»

(أَيْ غَايَةَ الْمُسَابَقَةِ) . وَيُسْتَعَارُ الْأَمَدُ لِمُدَّةٍ مِنَ الزَّمَانِ مُعَيَّنَةٍ قَالَ تَعَالَى: فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ [الْحَدِيد:

١٦] وَهُوَ كَذَلِكَ هُنَا. وَمُقَابَلَتُهُ بِ «قَرِيبٍ» يُفِيدُ أَنَّ الْمَعْنَى أَمْ يَجْعَلُ لَهُ أَمَدًا بَعِيدًا.

وَجُمْلَةُ عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً فِي مَوْضِعِ الْعِلَّةِ لِجُمْلَةِ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ الْآيَةَ.

وعالِمُ الْغَيْبِ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالضَّمِيرُ الْمَحْذُوفُ عَائِدٌ إِلَى قَوْلِهِ رَبِّي. وَهَذَا الْحَذْفُ مِنْ قَبِيلِ حَذْفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ حَذْفًا اتُّبِعَ فِيهِ الِاسْتِعْمَالُ إِذَا كَانَ الْكَلَامُ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى ذِكْرِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ وَصِفَاتِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ السَّكَّاكِيُّ فِي «الْمِفْتَاحِ» .

والْغَيْبِ: مَصْدَرُ غَابَ إِذَا اسْتَتَرَ وَخَفِيَ عَنِ الْأَنْظَارِ وَتَعْرِيفُهُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ.

وَإِضَافَةُ صِفَةِ عالِمُ إِلَى الْغَيْبِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِكُلِّ الْحَقَائِقِ الْمُغَيَّبَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَاهِيَّاتٍ أَوْ أَفْرَادًا فَيَشْمَلُ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ لِلْغَيْبِ مِثْلَ عِلْمِ اللَّهِ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَيَشْمَلُ الْأُمُورَ الْغَائِبَةَ بِذَاتِهَا مِثْلَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ. وَيَشْمَلُ الذَّوَاتِ الْمُغَيَّبَةِ عَنْ عِلْمِ النَّاسِ مِثْلَ الْوَقَائِعِ الْمُسْتَقْبَلَةِ الَّتِي يُخْبَرُ عَنْهَا أَوِ الَّتِي لَا يُخْبَرُ عَنْهَا، فَإِيثَارُ الْمَصْدَرِ هُنَا لِأَنَّهُ أشمل لِإِحَاطَةِ عِلْمِ اللَّهِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ.

وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣] .

وَتَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ مَعَ تَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ الْمُقَدَّرِ يُفِيدُ الْقَصْرَ، أَيْ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ لَا أَنَا.

وَفُرِّعَ عَلَى مَعْنَى تَخْصِيصِ اللَّهِ تَعَالَى بِعِلْمِ الْغَيْبِ جُمْلَةُ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً، فَالْفَاءُ لِتَفْرِيعِ حُكْمٍ عَلَى حُكْمٍ وَالْحُكْمُ الْمُفَرَّعِ إِتْمَامٌ لِلتَّعْلِيلِ وَتَفْصِيلٌ لِأَحْوَالِ عَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى غيبه.

وَمعنى فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً: لَا يطلع وَلَا ينبىء بِهِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ