للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً.

هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ، وَهَذَا تَخْفِيفٌ آخَرُ لِأَجْلِ أَحْوَالٍ أُخْرَى اقْتَضَتِ التَّخْفِيفَ.

وَهَذِهِ حِكْمَةٌ أُخْرَى لِنَسْخِ تَحْدِيدِ الْوَقْتِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَهِيَ مُرَاعَاةُ أَحْوَالٍ طَرَأَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ ضُرُوبِ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ حَالَةُ الْجَمَاعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ. وَذُكِرَ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ هِيَ أُصُولُ الْأَعْذَارِ:

الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: أَعْذَارُ اخْتِلَالِ الصِّحَّةِ وَقَدْ شَمَلَهَا قَوْلُهُ: أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى.

الضَّرْبُ الثَّانِي: الْأَشْغَالُ الَّتِي تَدْعُو إِلَيْهَا ضَرُورَة الْعَيْش من تِجَارَةٍ وَصِنَاعَةٍ وَحِرَاثَةٍ

وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهَا قَوْلُهُ: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَفَضْلُ اللَّهِ هُوَ الرِّزْقُ.

الضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَعْمَالٌ لِمَصَالِحِ الْأمة وَأَشَارَ إِلَيْهَا قَوْلُهُ: وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ حِرَاسَةُ الثُّغُورِ وَالرِّبَاطُ بِهَا، وَتَدْبِيرُ الْجُيُوشِ، وَمَا يَرْجِعُ إِلَى نَشْرِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ مِنْ إِيفَادِ الْوُفُودِ وَبَعْثِ السُّفَرَاءِ. وَهَذَا كُله من شؤون الْأُمَّةِ عَلَى الْإِجْمَالِ فَيَدْخُلُ فِي بَعْضِهَا النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمَرَضِ

فَفِي الْحَدِيثِ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ

. وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا نَزَلَ بِمَكَّةَ فَفِيهَا بِشَارَةٌ بِأَنَّ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ صَائِرٌ إِلَى اسْتِقْلَالٍ وَقَتَرَةٍ عَلَى أَعْدَائِهِمْ فَيُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَتْ مَدَنِيَّةً فَهُوَ عُذْرٌ لَهُم بِمَا ابتدأوا فِيهِ مِنَ السَّرَايَا وَالْغَزَوَاتِ.

وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ يَتَأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَضِيلَةَ التِّجَارَةِ وَالسَّفَرِ لِلتَّجْرِ حَيْثُ سَوَّى اللَّهُ بَيْنَ الْمُجَاهِدِينَ وَالْمُكْتَسِبِينَ الْمَالَ الْحَلَالَ، يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ مَا ذَكَرَ