للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم لَا يَسْتَكْثِرْ مِنْهُ» فَهَذِهِ نُفُوسٌ خَيِّرَةٌ حَقِيقَةٌ أَنْ تَشْرُفَ بِالْقَسَمِ بِهَا وَمَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ إِلَّا لِكَرَامَتِهَا.

وَالْمُرَادُ اللَّوَّامَةُ فِي الدُّنْيَا لَوْمًا تَنْشَأُ عَنْهُ التَّوْبَةُ وَالتَّقْوَى وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَوْمَ الْآخِرَةِ إِذْ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي [الْفجْر: ٢٤] .

وَمُنَاسَبَةُ الْقَسَمِ بِهَا مَعَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَنَّهَا النُّفُوسُ ذَاتُ الْفَوْزِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَعَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ لَا أُقْسِمُ مُرَادٌ مِنْهُ عَدَمُ الْقَسَمِ فَفَسَّرَ النَّفْسَ اللَّوَّامَةَ بِالَّتِي تَلُومُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ.

وَقَوْلُهُ: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ إِلَخْ دَلِيلٌ عَلَى جَوَابِ الْقَسَمِ إِذْ تَقْدِيرُ الْجَوَابِ لَنَجْمَعَنَّ عِظَامَكُمْ وَنَبْعَثْكُمْ لِلْحِسَابِ.

وَتَعْرِيفُ الْإِنْسانُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، وَوُقُوعُهُ فِي سِيَاقِ الْإِنْكَارِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ يَقْتَضِي الْعُمُومَ، وَهُوَ عُمُومٌ عُرْفِيٌّ مَنْظُورٌ فِيهِ إِلَى غَالِبِ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ إِذْ كَانَ الْمُؤْمِنُونَ قَلِيلًا. فَالْمَعْنَى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ الْكَافِر.

وَجُمْلَة أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ حَرْفِ أَنْ الْمَفْتُوحَةِ الْهَمْزَةِ الْمُخَفَّفَةِ النُّونِ الَّتِي هِيَ أُخْتُ (إِنْ) الْمَكْسُورَةِ.

وَاسْمُ أَنْ ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٌ.

وَالْجُمْلَةُ الْوَاقِعَةُ بَعْدَ أَنْ خَبَرٌ عَنْ ضَمِيرِ الشَّأْنِ، فَسِيبَوَيْهِ يَجْعَلُ أَنْ مَعَ اسْمِهَا وَخَبَرِهَا سَادَّةً مَسَدَّ مَفْعُولَيْ فِعْلِ الظَّنِّ. وَالْأَخْفَشُ يَجْعَلُ أَن مَعَ جزئيها فِي مَقَامِ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ (أَيْ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ) وَيُقَدَّرُ مَفْعُولًا ثَانِيًا. وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ خَوَاصِّ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ جَوَازَ دُخُولِ (أَن) الْمَفْتُوحَة الْهمزَة بَعْدَهَا فَيَسْتَغْنِي الْفِعْلُ بِ (أَنْ) وَاسْمِهَا وَخَبَرِهَا عَنْ مَفْعُولَيْهِ.

وَجِيءَ بِحَرْفِ لَنْ الدَّالِّ عَلَى تَأْكِيدِ النَّفْيِ لِحِكَايَةِ اعْتِقَادِ الْمُشْرِكِينَ اسْتِحَالَةَ جَمْعِ الْعِظَامِ بَعْدَ رِمَامِهَا وَتَشَتُّتِهَا.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: نَزَلَتْ فِي عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ (الصَّوَابُ ابْنُ أَبِي ربيعَة) قَالَ للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ حَدِّثْنِي عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَدِيٌّ: لَوْ عَايَنْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ أُصَدِّقْكَ أَوْ يَجْمَعُ اللَّهُ الْعِظَامَ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ

، أَلَا قُلْتَ: إِنَّ سَبَبَ النُّزُولِ لَا يُخَصِّصُ الْإِنْسَانَ بِهَذَا السَّائِلِ.