للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ: يَعْنِي إِنْ كَانَ نَسَبَنِي إِلَى الْكَذِبِ.

وَقَوْلُهُ: يُرِيدُ الْإِنْسانُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا عَمَّا فِي نُفُوسِ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ مَحَبَّةِ الِاسْتِرْسَالِ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْفِسْقِ وَالْفُجُورِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِفْهَامًا إِنْكَارِيًّا مُوَافِقًا لِسِيَاقِ مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ [الْقِيَامَة: ٣] .

وَأُعِيدَ لَفْظُ الْإِنْسانُ إِظْهَارًا فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِأَنَّ الْمَقَامَ لِتَقْرِيعِهِ وَالتَّعْجِيبِ مِنْ ضَلَالِهِ.

وَكُرِّرَ لَفْظُ الْإِنْسانُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ لِذَلِكَ، مَعَ زِيَادَةِ مَا فِي تَكَرُّرِهِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالْمَرَّتَيْنِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ مِنْ خُصُوصِيَّةٍ لِتَكُونَ تِلْكَ الْجُمَلُ الثَّلَاثُ الَّتِي وَرَدَ ذِكْرُهُ فِيهَا مُسْتَقِلَّةً بِمُفَادِهَا.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِيَفْجُرَ هِيَ اللَّامُ الَّتِي يَكْثُرُ وُقُوعُهَا بَعْدَ مَادَّتِي الْأَمْرِ وَالْإِرَادَةِ نَحْوَ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ [الشورى: ١٥] يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ [النِّسَاء: ٢٦] وَقَوْلِ كُثَيِّرٍ:

أُرِيدُ لِأَنْسَى حُبَّهَا فَكَأَنَّمَا ... تَمَثَّلُ لِي لَيْلَى بِكُلِّ مَكَانِ

وَيَنْتَصِبُ الْفِعْلُ بَعْدَهَا بِ (أَنْ) مُضْمَرَةٍ، لِأَنَّهُ أَصْلُ هَذِهِ اللَّامِ لَامِ التَّعْلِيلِ وَلِذَلِكَ قِيلَ:

هِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ وَقِيلَ: زَائِدَةٌ. وَعَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي قَبْلَ هَذِهِ اللَّامِ مُقَدَّرٌ بِمَصْدَرٍ مَرْفُوعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَأَنَّ اللَّامَ وَمَا بَعْدَهَا خَبَرُهُ، أَيْ إِرَادَتَهُمْ لِلْفُجُورِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ لَا مَفْعُولَ لِلْفِعْلِ الْوَاقِعِ بَعْدَهَا، وَلِهَذَا الِاسْتِعْمَالِ الْخَاصِّ بِهَا. قَالَ النَّحَاسُ سَمَّاهَا بَعْضُ الْقُرَّاءِ (لَامَ أَنْ) . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٢٦] .

وَأَمَامَ: أَصْلُهُ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي هُوَ قُبَالَةُ مَنْ أُضِيفَ هُوَ إِلَيْهِ وَهُوَ ضِدُّ خَلْفَ، وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكَذِّبُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ ابْن زَيْدٍ: يُكَذِّبُ بِمَا أَمَامَهُ سَفَطُ.

وَضَمِيرُ أَمامَهُ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْإِنْسَانِ، أَيْ فِي مُسْتَقْبَلِهِ، أَيْ مِنْ عُمُرِهِ فَيَمْضِي قُدُمًا رَاكِبًا رَأْسَهُ لَا يُقْلِعُ عَمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الْفُجُورِ فَيُنْكِرُ الْبَعْثَ فَلَا يَزَعُ نَفْسَهُ عَمَّا لَا يُرِيدُ أَنْ يَزَعَهَا مِنَ الْفُجُورِ. وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى نَحَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابُهُ.