للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهُمَا أَبُو عَمْرٍو وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ فَمُخَالَفَةُ رِوَايَتِهِمْ لِرَسْمِ الْمُصْحَفِ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ

الرَّسْمَ جَرَى عَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْوَقْفِ وَذَلِكَ كَثِيرٌ فَكِتَابَةُ الْأَلِفِ بَعْدَ اللَّامِ لِقَصْدِ التَّنْبِيهِ عَلَى إِشْبَاعِ الْفَتْحَةِ عِنْدَ الْوَقْفِ لِمُزَاوَجَةِ الْفَوَاصِلِ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّ الْفَوَاصِلَ كَثِيرًا مَا تُعْطَى أَحْكَامَ الْقَوَافِي وَالْأَسْجَاعِ.

وَبَعْدُ فَالْقِرَاءَاتُ رِوَايَاتٌ مَسْمُوعَةٌ وَرَسْمُ الْمُصْحَفِ سُنَّةٌ مَخْصُوصَةٌ بِهِ وَذَكَرَ الطِّيبِيُّ:

أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ اعْتَذَرَ عَنِ اخْتِلَافِ الْقُرَّاءِ فِي قَوْلِهِ: سَلَاسِلًا بِأَنَّهُ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَدَاءِ كَالْمَدِّ وَالْإِمَالَةِ وَتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ لَا يُنَافِي التَّوَاتُر.

[٥- ٦]

[سُورَة الْإِنْسَان (٧٦) : الْآيَات ٥ إِلَى ٦]

إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٦)

هَذَا اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَنِ الِاسْتِئْنَافِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ [الْإِنْسَان: ٤] إِلَخْ. فَإِنَّ مَنْ عَرَفَ مَا أُعِدَّ لِلْكَفُورِ مِنَ الْجَزَاءِ يَتَطَلَّعُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا أُعِدَّ لِلشَّاكِرِ مِنَ الثَّوَابِ.

وَأُخِّرَ تَفْصِيلُهُ عَنْ تَفْصِيلِ جَزَاءِ الْكَفُورِ مَعَ أَن شاكِراً [الْإِنْسَان: ٣] مَذْكُورٌ قبل كَفُوراً [الْإِنْسَان: ٣] ، عَلَى طَرِيقَةِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمَعْكُوسِ لِيَتَّسِعَ الْمَجَالُ لِإِطْنَابِ الْكَلَامِ عَلَى صِفَةِ جَزَاءِ الشَّاكِرِينَ وَمَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْكَرَامَةِ، تَقْرِيبًا لِلْمَوْصُوفِ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ الْمَحْسُوسَةِ.

وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ عَنْ جَزَاءِ الشَّاكِرِينَ لِدَفْعِ إِنْكَارِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ خَيْرًا مِنْهُمْ فِي عَالَمِ الْخُلُودِ، وَلِإِفَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ.

والْأَبْرارَ: هُمُ الشَّاكِرُونَ، عَبَّرَ عَنْهُمْ بِالْأَبْرَارِ زِيَادَةً فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ.

والْأَبْرارَ: جَمْعُ بَرٍّ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَجَمْعُ بَارٍّ أَيْضًا مِثْلُ شَاهِدٍ وَأَشْهَادٍ، وَالْبَارُّ أَوِ الْبَرُّ الْمُكْثِرُ مِنَ الْبِرِّ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ فِعْلُ الْخَيْرِ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْبَرُّ مِنْ أَوْصَافِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطّور: ٢٨] .