للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

: «فُكُّوا الْعَانِي»

وَقَالَ عَنِ النِّسَاءِ «إِنَّهُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ»

عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ وَقَالَ سُحَيْمٌ عَبْدُ بَنِي الْحِسْحَاسِ:

رَأَتْ قَتَبًا رَثًّا وَسَحْقَ عِمَامَةٍ ... وَأَسْوَدَ هِمًّا يُنْكِرُ النَّاسُ عَانِيَا

يُرِيدُ عَبْدًا.

وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الثَّعْلَبِيِّ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ «قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ:

وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً فَقَالَ: الْمِسْكِينُ الْفَقِيرُ، وَالْيَتِيمُ: الَّذِي لَا أَبَ لَهُ، وَالْأَسِيرُ: الْمَمْلُوكُ وَالْمَسْجُونُ»

. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ.

وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنْ لَا شَاهِدَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِجَعْلِ السُّورَةِ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَفِي الْأَسَارَى الَّذِينَ كَانُوا فِي أَسْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ.

وَجُمْلَةُ إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ إِلَى آخِرِهَا مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: يَقُولُونَ لَهُمْ، أَيْ لِلَّذِينَ يُطْعِمُونَهُمْ فَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ يُطْعِمُونَ، وَجُمْلَةُ: لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً مُبَيِّنَةٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ.

وَجُمْلَةُ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا إِلَى آخِرِهَا وَاقِعَةٌ مَوْقِعِ التَّعْلِيلِ لمضمون جملَة لانريد مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا.

وَالْمَعْنَى: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ لَهُمْ تَأْنِيسًا لَهُمْ وَدَفْعًا لِانْكِسَارِ النَّفْسِ الْحَاصِلِ عِنْدَ الْإِطْعَامِ، أَيْ مَا نُطْعِمُكُمْ إِلَّا اسْتِجَابَةً لِمَا أَمَرَ اللَّهُ، فَالْمُطْعِمُ لَهُمْ هُوَ اللَّهُ.

فَالْقَوْلُ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ، وَهُمْ مَا يَقُولُونَهُ إِلَّا وَهُوَ مُضْمَرٌ فِي نُفُوسِهِمْ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا تَكَلَّمُوا بِهِ وَلَكِنْ عَلِمَهُ اللَّهُ فَأَثْنَى بِهِ عَلَيْهِمْ.

فَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ إِنَّما قَصْرُ قَلْبٍ مَبْنِيٌّ عَلَى تَنْزِيلِ الْمُطْعَمِينِ مَنْزِلَةَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ مَنْ أَطْعَمَهُمْ يَمُنُّ عَلَيْهِمْ وَيُرِيدُ مِنْهُمْ الْجَزَاءَ وَالشُّكْرَ بِنَاءً عَلَى الْمُتَعَارَفِ عِنْدَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَالْمُرَادُ بِالْجَزَاءِ: مَا هُوَ عِوَضٌ عَنِ الْعَطِيَّةِ مِنْ خِدْمَةٍ وَإِعَانَةٍ، وَبِالشَّكُورِ: ذِكْرِهُمْ بِالْمَزِيَّةِ.

وَالشُّكُورُ: مَصْدَرٌ بِوَزْنِ الْفُعُولِ كَالْقُعُودِ وَالْجُلُوسِ، وَإِنَّمَا اعْتُبِرَ بِوَزْنِ الْفُعُولِ