للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِعْلُ كانَتْ هُنَا تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، وَالْمَعْنَى: إِنَّهَا مِثْلُ الْقَوَارِيرِ فِي شَفِيفِهَا، وَقَرِينَةُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: مِنْ فِضَّةٍ، أَيْ هِيَ مِنْ جِنْسِ الْفِضَّةِ فِي لَوْنِ الْقَوَارِيرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ فِضَّةٍ حَقِيقَةٌ فَإِنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ.

وَلَفْظُ قَوارِيرَا الثَّانِي، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لَفْظِيًّا لِنَظِيرِهِ لِزِيَادَةِ تَحْقِيقِ أَنَّ لَهَا رِقَّةَ الزُّجَاجِ فَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى قَوارِيرَا الْأَوَّلِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَكْرِيرًا لِإِفَادَةِ التَّصْنِيفِ فَإِنَّ حُسْنَ التَّنْسِيقِ فِي آنِيَةِ الشَّرَابِ مِنْ مُكَمِّلَاتِ رَوْنَقِ مَجْلِسِهِ، فَيَكُونُ التَّكْرِيرُ مِثْلَ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الْفجْر: ٢٢] وَقَوْلُ النَّاسِ: قَرَأْتُ الْكِتَابَ بَابًا بَابًا فَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى قَوارِيرَا الثَّانِي.

وَكُتِبَ فِي الْمُصْحَفِ قَوارِيرَا قَوارِيرَا بِأَلِفٍ فِي آخِرِ كِلْتَا الْكَلِمَتَيْنِ الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ تَنْوِينٍ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ قَوارِيرَا الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ مُنَوَّنَيْنِ

وَتَنْوِينُ الْأَوَّلِ لِمُرَاعَاةِ الْكَلِمَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْفَوَاصِلِ السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ مِنْ قَوْله كافُوراً [الْإِنْسَان: ٥] إِلَى قَوْلِهِ تَقْدِيراً وَتَنْوِينُ الثَّانِي لِلْمُزَاوَجَةِ مَعَ نَظِيرِهِ وَهَؤُلَاءِ وَقَفُوا عَلَيْهِمَا بِالْأَلِفِ مِثْلَ أَخَوَاتِهِمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْله تَعَالَى: سَلاسِلَ وَأَغْلالًا [الْإِنْسَان: ٤] .

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَخَلَفٌ وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ قَوَارِيرًا الْأَوَّلَ بِالتَّنْوِينِ وَوَقَفُوا عَلَيْهِ بِالْأَلِفِ وَهُوَ جَارٍ عَلَى التَّوْجِيهِ الَّذِي وَجَّهْنَا بِهِ قِرَاءَةَ نَافِعٍ وَالْكسَائِيّ. وَقَرَأَ قَوارِيرَا الثَّانِي بِغَيْرِ تَنْوِينٍ عَلَى الْأَصْلِ وَلَمْ تُرَاعَ الْمُزَاوَجَةُ وَوَقَفَا عَلَيْهِ بِالسُّكُونِ.

وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِتَرْكِ التَّنْوِينِ فِيهِمَا لِمَنْعِ الصَّرْفِ وَعَدَمِ مُرَاعَاةِ الْفَوَاصِلِ وَلَا الْمُزَاوَجَةِ.

وَالْقِرَاءَاتُ رِوَايَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ لَا يُنَاكِدُهَا رَسْمُ الْمُصْحَفِ فَلَعَلَّ الَّذِينَ كَتَبُوا الْمَصَاحِفَ لَمْ تَبْلُغْهُمْ إِلَّا قِرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

وَحَدَّثَ خَلَفٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ قَالَ: فِي الْمَصَاحِفِ الْأُوَلِ ثَبَتَ قَوارِيرَا الْأَوَّلُ بِالْأَلِفِ وَالثَّانِي بِغَيْرِ أَلِفٍ، يَعْنِي الْمَصَاحِفَ الَّتِي فِي الْكُوفَةِ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ ابْن إِدْرِيسَ كُوفِيٌّ. وَقَالَ أَبُو عبيد: لرأيت فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ قَوارِيرَا الْأَوَّلَ بِالْأَلِفِ وَكَانَ الثَّانِي مَكْتُوبًا بِالْأَلِفِ فَحُكَّتْ فَرَأَيْتُ أَثَرَهَا هُنَاكَ