للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ بِمَعْنَى الْحَقِيقِ بِمُسَمَّى الْيَوْمِ لِأَنَّهُ شَاعَ إِطْلَاقُ اسْمِ الْيَوْمِ عَلَى الْيَوْمِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ نَصْرُ قَبِيلَةٍ عَلَى أُخْرَى مِثْلَ: يَوْمِ حَلِيمَةَ، وَيَوْمِ بُعَاثَ. وَالْمَعْنَى: ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي يَحِقُّ لَهُ أَنْ يُقَالَ: يَوْمٌ، وَلَيْسَ كَأَيَّامِ انْتِصَارِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الدُّنْيَا فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ [التَّغَابُنِ: ٩] ، فَهُوَ يَوْمُ انْتِقَامِ اللَّهِ مِنْ أَعْدَائِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا نِعْمَتَهُ وَأَشْرَكُوا بِهِ عَبِيدَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَيَكُونُ وَصْفُ الْحَقِّ بِمِثْلِ الْمَعْنَى الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [الْبَقَرَة: ١٢١] ، أَي التِّلَاوَة الْحَقِيقَة بِاسْمِ التِّلَاوَةِ وَهِيَ التِّلَاوَةُ بِفَهْمِ مَعَانِي الْمَتْلُوِّ وَأَغْرَاضِهِ.

وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى الْيَوْمُ الْمُتَقَدَّمِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً [النبأ: ١٧] . وَمَفَادُ اسْمِ الْإِشَارَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ حَقِيقٌ بِمَا سَيُوصَفُ بِهِ بِسَبَبِ مَا سَبَقَ مِنْ حِكَايَةِ شُؤُونِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٥] بَعْدَ قَوْلِهِ: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ إِلَى قَوْلِهِ: وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [الْبَقَرَة: ٢- ٤] ، فَلِأَجَلِ جَمِيعِ مَا وُصِفَ بِهِ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ حَقِيقًا بِأَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ الْيَوْمُ الْحَقُّ وَمَا تَفَرَّعَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً وَتَعْرِيفُ الْيَوْمُ بِاللَّامِ لِلدِّلَالَةِ عَلَى مَعْنَى الْكَمَالِ، أَيْ هُوَ الْأَعْظَمُ مِنْ بَيْنِ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ مِنْ أَيَّامِ النَّصْرِ لِلْمُنْتَصِرِينَ لِأَنَّهُ يَوْمٌ يُجْمَعُ فِيهِ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا

هُوَ أَهْلُهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فَكَأَنَّ مَا عَدَاهُ مِنَ الْأَيَّامِ الْمَشْهُورَةِ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِ غَيْرُ ثَابِتِ الْوُقُوعِ.

وَفُرِّعَ عَلَيْهِ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً بِفَاءِ الْفَصِيحَةِ لِإِفْصَاحِهَا عَنْ شَرط مُقَدّر ناشىء عَنِ الْكَلَامِ السَّابِقِ. وَالتَّقْدِيرُ: فَإِذَا عَلِمْتُمْ ذَلِكَ كُلَّهُ فَمَنْ شَاءَ اتِّخَاذَ مَآبٍ عِنْدَ رَبِّهِ فَلْيَتَّخِذْهُ، أَيْ فَقَدْ بَانَ لَكُمْ مَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ فَلْيَخْتَرْ صَاحِبُ الْمَشِيئَةِ مَا يَلِيقُ بِهِ لِلْمَصِيرِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَالتَّقْدِيرُ: مَآبًا فِيهِ، أَيْ فِي الْيَوْمِ.

وَهَذَا التَّفْرِيعُ مِنْ أَبْدَعِ الْمَوْعِظَةِ بالترغيب والترهيب عِنْد مَا تَسْنَحُ الْفُرْصَةُ لِلْوَاعِظِ مِنْ تَهَيُّؤِ النُّفُوسِ لِقَبُولِ الْمَوْعِظَةِ.