للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاجِبٌ مَعَ الْفَصْلِ بِالْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي، وَجَائِزٌ مَعَ الْفَصْلِ بِغَيْرِهِ، كَمَا تقل عَبْدُ الْحَكِيمِ عَنِ الْيَمَنِيِّ وَالتَّفْتَازَانِيِّ فِي «شَرْحَيِ الْكَشَّافِ» .

وَفِي «الْكَافِيَّةِ» أَنَّ ظُهُورَ (مِنْ) فِي مُمَيَّزِ (كَمِ) الْخَبَرِيَّةِ والاستفهامية جَائِز هَكَذَا أَطْلَقَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، لَكِنَّ الرَّضِيَّ قَالَ إِنَّهُ لَمْ يَعْثُرْ عَلَى شَاهِدٍ عَلَيْهِ فِي (كَمْ) الِاسْتِفْهَامِيَّةِ إِلَّا مَعَ الْفَصْلِ بِالْفِعْلِ وَأَمَّا فِي كَمِ الْخَبَرِيَّةِ فَظُهُورُ (مِنْ) مَوْجُودٌ بِكَثْرَةٍ بِدُونِ الْفَصْلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ لَمْ يَعْبَأْ بِخُصُوصِ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الرَّضِيُّ، وَإِنَّمَا اعْتَدَّ بِظُهُورِ (مِنْ) فِي الْمُمَيَّزِ وَهُوَ الظَّاهِر.

و (الْآيَة) هُنَا الْمُعْجِزَةُ وَدَلِيلُ صِدْقِ الرُّسُلِ، أَوِ الْكَلِمَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى مَجِيءِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهَا آيَةٌ لِمُوسَى إِذْ أَخْبَرَ بِهَا قَبْلَ قُرُونٍ، وَآيَةٌ لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، إِذْ كَانَ التَّبْشِيرُ بِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ بِقُرُونٍ، وَوَصْفُهَا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ مُبَالَغَةٌ فِي الصِّفَةِ مِنْ فِعْلِ بَانَ أَيْ ظَهَرَ، فَيَكُونُ الظُّهُورُ ظُهُورَ الْعِيَانِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَظُهُورَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، وَفِي هَذَا السُّؤَالِ وَصِيغَتِهِ حَذْفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ تَقْدِيرُهُ فَبَدَّلُوهَا وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهَا.

وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ إِلَخ، أَفَادَ أأن الْمَقْصُودَ أَوَّلًا مِنْ هَذَا الْوَعيد هم بَنُو إِسْرَائِيلَ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: سَلْ بَنِي

إِسْرائِيلَ

، وَأَفَادَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي أُوتِيَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ هِيَ نِعَمٌ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِتَذْيِيلِ خَبَرِهِمْ بِحُكْمِ مَنْ يُبَدِّلُ نِعَمَ اللَّهِ مُنَاسَبَةٌ وَهَذَا مِمَّا يَقْصِدُهُ الْبُلَغَاءُ، فَيُغْنِي مِثْلُهُ فِي الْكَلَامِ عَنْ ذِكْرِ جُمَلٍ كَثِيرَةٍ إِيجَازًا بَدِيعًا مِنْ إِيجَازِ الْحَذْفِ وَإِيجَازِ الْقَصْرِ مَعًا لِأَنَّهُ يُفِيدُ مُفَادَ أَنْ يُقَالَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ هِيَ نِعْمَةٌ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يُقَدِّرُوهَا حَقَّ قَدْرِهَا، فَبَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ بِضِدِّهَا بَعْدَ ظُهُورِهَا فَاسْتَحَقُّوا الْعِقَابَ، لِأَنَّ مَنْ يُبَدِّلُ نِعْمَةَ اللَّهِ فَاللَّهُ مُعَاقِبُهُ، وَلِأَنَّهُ يُفِيدُ بِهَذَا الْعُمُوم حكما جَامعا يَشْمَلُ الْمَقْصُودِينَ وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ يُشْبِهُهُمْ وَلِذَلِكَ يَكُونُ ذِكْرُ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ الْجَامِعِ بَعْدَ حُكْمٍ جُزْئِيٍّ تَقَدَّمَهُ فِي الْأَصْلِ تَعْرِيضًا يُشْبِهُ التَّصْرِيحَ، وَنَظِيرُهُ أَنْ يُحَدِّثَكَ أَحَدٌ بِحَدِيثٍ فَتَقُولَ فَعَلَ اللَّهُ بِالْكَاذِبِينَ كَذَا وَكَذَا تُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ كَذَبَ فِيمَا حَدَّثَكَ وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِذَلِكَ الدُّعَاءِ عِنْدَ سَمَاعِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ مَوْقِعٌ.

وَإِنَّمَا أُثْبِتَ لِلْآيَاتِ أَنَّهَا نِعَمٌ لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ دَلَائِلَ صِدْقِ الرَّسُولِ فَكَوْنُهَا نِعَمًا لِأَنَّ