للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْقَائِمُ بِوَصْفِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ فِي عَصْرِ اعْتِقَادِهِ: أَنَّ فِرْعَوْنَ رَبُّ الْأَرْبَابِ الْمُتَعَدِّدَةِ عِنْدَهُمْ فَصِفَةُ الْأَعْلى صفة كاشفة.

[٢٥، ٢٦]

[سُورَة النازعات (٧٩) : الْآيَات ٢٥ إِلَى ٢٦]

فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦)

جُمْلَةُ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى مُفَرَّعَةٌ عَنِ الْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا، أَيْ كَانَ مَا ذُكِرَ مِنْ تَكْذِيبِهِ وَعِصْيَانِهِ وَكَيْدِهِ سَبَبًا لِأَنْ أَخَذَهُ اللَّهُ، وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ سَوْقِ الْقِصَّةِ وَهُوَ مَنَاطُ مَوْعِظَةِ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْذَارِهِمْ، مَعَ تَسْلِيَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَثْبِيتِهِ.

وَحَقِيقَةُ الْأَخْذِ: التَّنَاوُلُ بِالْيَدِ، وَيُسْتَعَارُ كَثِيرًا لِلْمَقْدِرَةِ وَالْغَلَبَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:

فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ [الْقَمَر: ٤٢] وَقَالَ: فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً [الحاقة: ١٠] .

وَالْمَعْنَى: فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ.

وَالنَّكَالُ: اسْمُ مَصْدَرِ نَكَّلَ بِهِ تَنْكِيلًا وَهُوَ مِثْلُ: السَّلَامِ، بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ.

وَمَعْنَى النَّكَالِ: إِيقَاعُ أَذًى شَدِيدٍ عَلَى الْغَيْرِ مِنَ التَّشْهِيرِ بِذَلِكَ بِحَيْثُ يُنَكِّلُ، أَيْ يَرُدُّ وَيَصْرِفُ مَنْ يُشَاهِدُهُ عَنْ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ مَا عُومِلَ بِهِ الْمُنَكَّلُ بِهِ، فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ النُّكُولِ وَهُوَ النُّكُوصُ وَالْهُرُوبُ، قَالَ تَعَالَى: فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦٦] .

وَانْتَصَبَ نَكالَ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِفِعْلِ «أَخَذَهُ» مُبَيِّنٌ لِنَوْعِ الْأَخْذِ بِنَوْعَيْنِ مِنْهُ لِأَنَّ الْأَخْذَ يَقَعُ بِأَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ.

وَإِضَافَةُ نَكالَ إِلَى الْآخِرَةِ وَالْأُولى عَلَى مَعْنَى (فِي) .

فَالنَّكَالُ فِي الْأُولَى هُوَ الْغَرَقُ، وَالنَّكَالُ فِي الْآخِرَةِ هُوَ عَذَابُ جَهَنَّمَ.

وَقَدِ اسْتُعْمِلَ النَّكَالُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ لِأَنَّ مَا حَصَلَ لِفِرْعَوْنَ فِي الدُّنْيَا هُوَ نَكَالٌ حَقِيقِيٌّ وَمَا يُصِيبُهُ فِي الْآخِرَةِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ النَّكَالُ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ النَّكَالَ فِي شِدَّةِ التَّعْذِيبِ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ نَكَالٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.