للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَطَرَّقَ الْخَلَلُ إِلَى الْبَقِيَّةِ فَنَشَأَ نَقْصٌ فِي الْإِدْرَاكِ أَوِ الْإِحْسَاسِ أَوْ نَشَأَ انْحِرَافُ الْمِزَاجِ أَوْ أَلَمٌ فِيهِ، فَالتَّسْوِيَةُ جَامِعَةٌ لِهَذَا الْمَعْنَى الْعَظِيمِ.

وَالتَّعْدِيلُ: التَّنَاسُبُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ مِثْلَ تَنَاسُبِ الْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، وَالْعَيْنَيْنِ، وَصُورَةِ الْوَجْهِ، فَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَ مُتَزَاوِجِهَا، وَلَا بَشَاعَةَ فِي مَجْمُوعِهَا. وَجَعْلِهِ مُسْتَقِيمَ الْقَامَةِ، فَلَوْ كَانَتْ إِحْدَى الْيَدَيْنِ فِي الْجَنْبِ، وَالْأُخْرَى فِي الظَّهْرِ لَاخْتَلَّ عَمَلُهُمَا، وَلَو جعل العينان فِي الْخلف لَا نعدمت الِاسْتِفَادَةُ مِنَ النَّظَرِ حَالَ الْمَشْي، وَكَذَلِكَ مَوَاضِع الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ مِنَ الْحَلْقِ وَالْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَالْكُلْيَتَيْنِ. وَمَوْضِعُ الرِّئَتَيْنِ وَالْقَلْبِ وَمَوْضِعُ الدِّمَاغِ وَالنُّخَاعِ.

وَخَلَقَ اللَّهُ جَسَدَ الْإِنْسَانِ مُقَسَّمَةً أَعْضَاؤُهُ وَجَوَارِحُهُ عَلَى جِهَتَيْنِ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ جِهَةٍ وَأُخْرَى مِنْهُمَا وَجَعَلَ فِي كل جِهَة مثل مَا فِي الْأُخْرَى مِنَ الْأَوْرِدَةِ وَالْأَعْصَابِ وَالشَّرَايِينِ.

وَفُرِّعَ فِعْلُ «سَوَّاكَ» عَلَى خَلَقَكَ وَفِعْلُ «عَدَّلَكَ» عَلَى «سَوَّاكَ» تَفْرِيعًا فِي الذِّكْرِ نَظَرًا إِلَى كَوْنِ مَعَانِيهَا مُتَرَتِّبَةً فِي اعْتِبَارِ الْمُعْتَبِرِ وَإِنْ كَانَ جَمِيعًا حَاصِلًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ إِذْ هِيَ أَطْوَارُ التَّكْوِينِ مِنْ حِينِ كَوْنِهِ مُضْغَةً إِلَى تَمَامِ خَلْقِهِ فَكَانَ لِلْفَاءِ فِي عطفها أحسن وَقع كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى [الْأَعْلَى: ٢، ٣] .

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَعَدَلَكَ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ إِلَّا أَنَّ التَّشْدِيدَ يَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْعَدْلِ، أَيِ التَّسْوِيَةِ فَيُفِيدُ إِتْقَانَ الصُّنْعِ.

وَقَوْلُهُ: فِي أَيِّ صُورَةٍ اعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ أَيِّ أَنَّهَا لِلِاسْتِفْهَامِ عَنْ تَمْيِيزِ شَيْءٍ عَنْ مُشَارِكِيهِ فِي حَالِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ فِي سُورَةِ عَبَسَ [١٨] .

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [الْأَعْرَاف: ١٨٥] .

وَالِاسْتِفْهَامُ بِهَا كَثِيرًا مَا يُرَاد بِهِ الْكِنَايَةُ عَنِ التَّعَجُّبِ أَوِ التَّعْجِيبِ مِنْ شَأْنِ مَا أُضِيفَتْ إِلَيْهِ أَيِّ لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا بَلَغَ مِنَ الْكَمَالِ وَالْعَظَمَةِ مَبْلَغًا قَوِيًّا يُتَسَاءَلُ عَنْهُ وَيُسْتَفْهَمُ عَنْ شَأْنِهِ، وَمِنْ هُنَا نَشَأَ مَعْنَى دَلَالَةِ أَيِّ عَلَى الْكَمَالِ، وَإِنَّمَا