للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأُول: خَلَلٌ يَعْرِضُ عِنْدَ تَكْوِينِ الْفَرْدِ فِي عَقْلِهِ أَوْ فِي جَسَدِهِ فَيَنْشَأُ مُنْحَرِفًا عَنِ الْفَضِيلَةِ لِتِلْكَ الْعَاهَةِ.

الثَّانِي: اكْتِسَابُ رَذَائِلَ مِنَ الْأَخْلَاقِ مِنْ مُخْتَرَعَاتِ قُوَاهُ الشَّهْوِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ وَمِنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ بِدَاعِيَةِ اسْتِحْسَانِ مَا فِي غَيْرِهِ مِنْ مَفَاسِدَ يَخْتَرِعُهَا وَيَدْعُو إِلَيْهَا.

الثَّالِثُ: خَوَاطِرُ خَيَالِيَّةٌ تَحْدُثُ فِي النَّفْسِ مُخَالِفَةٌ لِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ كَالشَّهَوَاتِ وَالْإِفْرَاطِ فِي حُبِّ الذَّاتِ أَوْ فِي كَرَاهِيَةِ الْغَيْرِ مِمَّا تُوَسْوِسُ بِهِ النَّفْسُ فَيُفَكِّرُ صَاحِبُهَا فِي تَحْقِيقِهَا.

الرَّابِعُ: صُدُورُ أَفْعَالٍ تَصْدُرُ مِنَ الْفَرْدِ بِدَوَاعٍ حَاجِيَّةٍ أَوْ تَكْمِيلِيَّةٍ وَيَجِدُهَا مُلَائِمَةً لَهُ أَوْ لَذِيذَةً عِنْدَهُ فَيُلَازِمُهَا حَتَّى تَصِيرَ لَهُ عَادَةً وَتَشْتَبِهَ عِنْدَهُ بَعْدَ طُولِ الْمُدَّةِ بِالطَّبِيعَةِ، لِأَنَّ الْعَادَةَ إِذَا صَادَفَتْ سَذَاجَةً مِنَ الْعَقْلِ غَيْرَ بَصِيرَةٍ بِالنَّوَاهِي رَسَخَتْ فَصَارَتْ طَبْعًا.

فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَسْبَابٍ لِلِانْحِطَاطِ عَنِ الْفِطْرَةِ الطَّيِّبَةِ، وَالْأَوَّلُ كَانَ نَادِرَ الْحُدُوثِ فِي الْبَشَرِ، لِأَنَّ سَلَامَةَ الْأَبْدَانِ وَشَبَابَ وَاعْتِدَالَ الطَّبِيعَةِ وَبَسَاطَةَ الْعَيْشِ وَنِظَامَ الْبِيئَةِ كُلُّ تِلْكَ كَانَتْ مَوَانِعَ مِنْ طُرُوِّ الْخَلَلِ التَّكْوِينِيِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ نَوْعَ كُلِّ حَيَوَانٍ يُلَازِمُ حَالَ فِطْرَتِهِ فَلَا يَنْحَرِفُ عَنْهَا بِاتِّبَاعِ غَيْرِهِ.

وَالثَّانِي كَانَ غَيْرَ مَوْجُودٍ، لِأَنَّ الْبَشَرَ يَوْمَئِذٍ كَانُوا عَائِلَةً وَاحِدَةً فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ يَسِيرُ عَلَى نِظَامٍ وَاحِدٍ وَتَرْبِيَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِحْسَاسٍ وَاحِدٍ فَمِنْ أَيْنَ يَجِيئُهُ الِاخْتِلَافُ؟

وَالثَّالِثُ مُمْكِنُ الْوُجُودِ لَكِنَّ الْمَحَبَّةَ النَّاشِئَةَ عَنْ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَعَنِ الْإِلْفِ، وَالشَّفَقَةَ

النَّاشِئَةَ عَنِ الْأُخُوَّةِ وَالْمَوَاعِظَ الصَّادِرَةَ عَنِ الْأَبَوَيْنِ كَانَتْ حَجْبًا لِمَا يَهْجِسُ مِنْ هَذَا الْإِحْسَاسِ.

وَالرَّابِعُ لَمْ يَكُنْ بِالَّذِي يَكْثُرُ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ مِنْ وُجُودِ الْبَشَرِ، لِأَنَّ الْحَاجَاتِ كَانَتْ جَارِيَةً عَلَى وَفْقِ الطِّبَاعِ الْأَصْلِيَّةِ وَلِأَنَّ التَّحْسِينَاتِ كَانَتْ مَفْقُودَةً، وَإِنَّمَا هَذَا السَّبَبُ الرَّابِعُ مِنْ مُوجِبَاتِ الرُّقِيِّ وَالِانْحِطَاطِ فِي أَحْوَالِ الْجَمْعِيَّاتِ الْبَشَرِيَّةِ الطَّارِئَةِ.

أَمَّا حَادِثَةُ قَتْلِ ابْنِ آدَمَ أَخَاهُ فَمَا هِيَ إِلَّا فَلْتَةٌ نَشَأَتْ عَنِ السَّبَبِ الثَّالِثِ عَنْ إِحْسَاسٍ وِجْدَانِيٍّ هُوَ الْحَسَدُ مَعَ الْجَهْلِ بِمَغَبَّةِ مَا يَنْشَأُ عَنِ الْقَتْلِ لِأَنَّ الْبَشَرَ لَمْ يَعْرِفِ الْمَوْتَ إِلَّا يَوْمَئِذٍ وَلِذَلِكَ أَسْرَعَتْ إِلَيْهِ النَّدَامَةُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الصَّلَاحَ هُوَ حَالُ الْأُمَّةِ يَوْمَئِذٍ أَوْ هُوَ الْغَالِبُ عَلَيْهَا.