للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ فِي قَوْله: يَدْعُوا ثُبُوراً النِّدَاءُ، أَيْ يُنَادِي الثُّبُورَ بِأَنْ يَقُولَ: يَا ثُبُورِي، أَوْ يَا ثُبُورًا، كَمَا يُقَالُ: يَا وَيْلِيَ وَيَا وَيْلَتَنَا.

وَالثُّبُورُ: الْهَلَاكُ وَسُوءُ الْحَالِ وَهِيَ كَلِمَةٌ يَقُولُهَا مَنْ وَقَعَ فِي شَقَاءٍ وَتَعْسٍ.

وَالنِّدَاءُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّحَسُّرِ وَالتَّوَجُّعِ مِنْ مَعْنَى الِاسْمِ الْوَاقِعِ بَعْدَ حَرْفِ النِّدَاءِ.

وَيَصْلى قَرَأَهُ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مُضَاعَفُ صَلَاهُ إِذَا أَحْرَقَهُ. وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ وَيَصْلى بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ مُضَارِعُ صَلِيَ اللَّازِمِ إِذَا مَسَّتْهُ النَّارُ كَقَوْلِهِ: يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ [الانفطار: ١٥] .

وَانْتَصَبَ سَعِيراً عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ بِتَقْدِيرِ يَصْلَى بِسَعِيرٍ، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا لَفْظُ النَّارِ وَنَحْوُهُ مَنْصُوبًا بَعْدَ الْأَفْعَالِ الْمُشْتَقَّةِ مِنَ الصِّلِيِّ وَالتَّصْلِيَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا وَجْهَهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [١٠] فَانْظُرْهُ.

وَقَوْلُهُ: إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ مِنْ حَالِهِمْ كَيْفَ انْقَلَبَتْ

مِنْ ذَلِكَ السُّرُورِ الَّذِي كَانَ لَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْمَعْرُوفِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ بِمَا حُكِيَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِثْلَ قَوْلِهِ: أُولِي النَّعْمَةِ [المزمل: ١١] وَقَوْلِهِ: وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ [المطففين: ٣١] فَآلُوا إِلَى أَلَمِ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ حَتَّى دَعَوْا بِالثُّبُورِ.

وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ مِنْ شَأْنِ الْأَخْبَارِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي التَّعْجِيبِ كَقَوْلِ عُمَرَ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ:

«إِنَّكَ عَلَيْهِ لَجَرِيءٌ» (أَيْ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ.

وَمَوْقِعُ جُمْلَةِ: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ مَوْقِعُ التَّعْلِيلِ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ إِلَى آخِرِهَا.

وَحَرْفُ (إِنَّ) فِيهَا مُغْنٍ عَنْ فَاءِ التَّعْلِيلِ، فَالْمَعْنَى: يَصْلَى سَعِيرًا لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ، أَيْ لَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَيْ لِأَنَّهُ يُكَذِّبُ بِالْبَعْثِ، يُقَالُ: حَارَ