للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفُتِنَ وَرَجَعَ إِلَى الشِّرْكِ الْحَارِثُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَعَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَالْعَاصِي بْنُ الْمُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ.

وَعَطْفُ الْمُؤْمِناتِ لِلتَّنْوِيهِ بِشَأْنِهِنَّ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ هَذِهِ الْمَزِيَّةَ خَاصَّةٌ بِالرِّجَالِ، وَلِزِيَادَةِ تَفْظِيعِ فِعْلِ الْفَاتِنِينَ بِأَنَّهُمُ اعْتَدَوْا عَلَى النِّسَاءِ وَالشَّأْنُ أَنْ لَا يُتَعَرَّضَ لَهُنَّ بِالْغِلْظَةِ.

وَجُمْلَةُ: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا مُعْتَرِضَةٌ. وثُمَّ فِيهَا لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ لِأَنَّ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْ فِتْنَةِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَفِيهِ تَعْرِيضٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمْ إِنْ تَابُوا وَآمَنُوا سَلِمُوا مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ.

وَالْفَتْنُ: الْمُعَامَلَةُ بِالشِّدَّةِ وَالْإِيقَاعُ فِي الْعَنَاءِ الَّذِي لَا يَجِدُ مِنْهُ مَخْلَصًا إِلَّا بِعَنَاءٍ أَوْ ضُرٍّ أَخَفَّ أَوْ حِيلَةٍ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٩١] .

وَدُخُولُ الْفَاءِ فِي خَبَرِ (إِنَّ) مِنْ قَوْلِهِ: فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ لِأَنَّ اسْمَ (إِنَّ) وَقَعَ مَوْصُولًا وَالْمَوْصُولُ يُضَمَّنُ مَعْنَى الشَّرْطِ فِي الِاسْتِعْمَالِ كَثِيرًا: فَتَقْدِيرُ: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ، لِأَنَّ عَطْفَ قَوْلِهِ: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا مَقْصُودٌ بِهِ مَعْنَى التَّقْيِيدِ فَهُوَ كَالشَّرْطِ.

وَجُمْلَةُ: وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ عَطْفٌ فِي مَعْنَى التوكيد اللَّفْظِيّ لجملة: لَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَاقْتِرَانُهَا بِوَاوِ الْعَطْفِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّأْكِيدِ بِإِيهَامِ أَنَّ مَنْ يُرِيدُ زِيَادَةَ تَهْدِيدِهِمْ بِوَعِيدٍ آخَرَ فَلَا يُوجَدُ أَعْظَمُ مِنَ الْوَعِيدِ الْأَوَّلِ. مَعَ مَا بَيْنَ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَعَذَابِ الْحَرِيقِ مِنِ اخْتِلَافٍ فِي الْمَدْلُولِ وَإِنْ كَانَ مَآلُ الْمَدْلُولَيْنِ وَاحِدًا. وَهَذَا ضَرْبٌ مِنَ الْمُغَايَرَةِ يُحَسِّنُ عَطْفَ التَّأْكِيدِ.

عَلَى أَنَّ الزَّجَّ بِهِمْ فِي عَذَاب جَهَنَّمَ قَبْلَ أَنْ يَذُوقُوا حَرِيقِهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الْخِزْيِ وَالدَّفْعِ بِهِمْ فِي طَرِيقِهِمْ قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا [الطّور: ١٣] فَحَصَلَ بِذَلِكَ اخْتِلَافُ مَا بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالثَّانِي مُضَاعَفَةُ الْعَذَابِ لَهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ [النَّحْل: ٨٨] .