للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْبِرُّ، لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ انْكِسَارِ الْخَاطِرِ لِشُعُورِهِ بِفَقْدِ مَنْ يُدِلُّ هُوَ عَلَيْهِ.

والْيَتِيمَ: الصَّبِيُّ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَتَعْرِيفُهُ لِلْجِنْسِ، أَيْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتَامَى. وَكَذَلِكَ تَعْرِيفُ الْمِسْكِينِ وَنَفْيُ الْحَضِّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ نَفْيٌ لِإِطْعَامِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهِيَ دَلَالَةُ فَحْوَى الْخِطَابِ، أَيْ لِقِلَّةِ الِاكْتِرَاثِ بِالْمَسَاكِينِ لَا يَنْفَعُونَهُمْ وَلَوْ نَفْعَ وَسَاطَةٍ، بَلْهَ أَنْ يَنْفَعُوهُمْ بِالْبَذْلِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ.

وطَعامِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا بِمَعْنى المطعوم، فالتقدير: وَلَا تحضون عَلَى إِعْطَاءِ طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَإِضَافَتُهُ إِلَى الْمِسْكِينِ عَلَى مَعْنَى لَامِ الِاسْتِحْقَاقِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ مَصْدَرِ أَطْعَمَ. وَالْمَعْنَى: وَلَا تَحُضُّونَ عَلَى إِطْعَامِ الْأَغْنِيَاءِ الْمَسَاكِينَ فَإِضَافَتُهُ إِلَى الْمِسْكِينِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى مَفْعُولِهِ.

والْمِسْكِينِ: الْفَقِيرُ وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ.

وَقَدْ حَصَلَ فِي الْآيَةِ احْتِبَاكٌ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نُفِيَ إِكْرَامُهُمُ الْيَتِيمَ وَقُوبِلَ بِنَفْيِ أَنْ يَحُضُّوا عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، عُلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَحُضُّونَ عَلَى إِكْرَامِ أَيْتَامِهِمْ، أَيْ لَا يَحُضُّونَ أَوْلِيَاءَ الْأَيْتَامِ عَلَى ذَلِكَ، وَعُلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُطْعِمُونَ الْمَسَاكِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَضُّ عَلَى الطَّعَامِ كِنَايَةً عَنِ الْإِطْعَامِ لِأَنَّ مَنْ يَحُضُّ عَلَى فَعْلِ شَيْءٍ يَكُونُ رَاغِبًا فِي التَّلَبُّسِ بِهِ فَإِذَا تَمَكَّنَ أَنْ يَفْعَلَهُ فَعَلَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ [الْعَصْر: ٣] أَيْ عَمِلُوا بِالْحَقِّ وَصَبَرُوا وَتَوَاصَوْا بِهِمَا.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: «لَا تُكْرِمُونَ، وَلَا تَحُضُّونَ، وَتَأْكُلُونَ، وَتُحِبُّونَ» بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْخِطَابِ بِطَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ الْآيَاتِ لِقَصْدِ مُوَاجَهَتِهِمْ بِالتَّوْبِيخِ، وَهُوَ بِالْمُوَاجَهَةِ أَوْقَعُ مِنْهُ بِالْغَيْبَةِ. وَقَرَأَهَا أَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ عَلَى الْغَيْبَةِ لِتَعْرِيفِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ فَضْحًا لِدَخَائِلِهِمْ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَداً أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ [الْبَلَد: ٦، ٧] .

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَلَا تَحُضُّونَ بِضَمِّ الْحَاءِ مُضَارِعَ حَضَّ، وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ