للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا إِسْنَادُهُ إِلَى الْمَلَكِ فَإِمَّا حَقِيقَةٌ، أَوْ عَلَى مَعْنَى الْحُضُورِ وَأَيًّا مَا كَانَ فَاسْتِعْمَالُ (جَاءَ) مِنِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَجَازِهِ وَحَقِيقَتِهِ، أَوْ فِي مَجَازَيْهِ.

والْمَلَكُ: اسْمُ جِنْسٍ وَتَعْرِيفُهُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ فَيُرَادِفُهُ الِاسْتِغْرَاقُ، أَيْ وَالْمَلَائِكَةُ.

وَالصَّفُّ: مَصْدَرُ صَفَّ الْأَشْيَاءَ إِذَا جَعَلَ الْوَاحِدَ حَذْوَ الْآخَرِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْمَصْفُوفَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا [الصَّفّ: ٤] وَقَوْلُهُ: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا فِي سُورَةِ طه [٦٤] .

وَاسْتِعْمَالُ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ كَاسْتِعْمَالِ مَجِيءِ الْمَلَكِ، أَيْ أُحْضِرَتْ جَهَنَّمُ وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا فَكَأَنَّهَا (جَاءَ) بِهَا جَاءٍ وَالْمَعْنَى: أُظْهِرَتْ لَهُمْ جَهَنَّمُ قَالَ تَعَالَى: حَتَّى إِذا

جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها

[الزمر: ٧١] وَقَالَ: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى [النازعات: ٣٦] وَوَرَدَ

فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ: «أَنَّ لِجَهَنَّمَ سَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا»

وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ وَأُمُورُ الْآخِرَةِ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ.

وَإِنَّمَا اقْتُصِرَ عَلَى ذِكْرِ جَهَنَّمَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَعِيدُ الَّذِينَ لَمْ يَتَذَكَّرُوا وَإِلَّا فَإِنَّ الْجَنَّةَ أَيْضًا مُحَضَرَةٌ يَوْمَئِذٍ قَالَ تَعَالَى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ [الشُّعَرَاء: ٩٠- ٩١] .

ويَوْمَئِذٍ الْأَوَّلُ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ جِيءَ وَالتَّقْدِيرُ: وَجِيءَ يَوْمَ تُدَكُّ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا إِلَى آخِرِهِ.

ويَوْمَئِذٍ الثَّانِي بَدَلٌ مِنْ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ وَالْمَعْنَى: يَوْمَ تُدَكُّ الْأَرْضُ دَكًّا إِلَى آخِرِهِ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ. وَالْعَامِلُ فِي الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ مَعًا فِعْلُ يَتَذَكَّرُ وَتَقْدِيمُهُ لِلِاهْتِمَامِ مَعَ مَا فِي الْإِطْنَابِ مِنَ التَّشْوِيقِ لِيَحْصُلَ الْإِجْمَالُ ثُمَّ التَّفْصِيلُ مَعَ حُسْنِ إِعَادَةِ مَا هُوَ بِمَعْنَى إِذا لِزِيَادَةِ الرَّبْطِ لِطُولِ الْفَصْلِ بِالْجُمَلِ الَّتِي أُضِيفَ إِلَيْهَا إِذا والْإِنْسانُ: هُوَ الْإِنْسَانُ الْكَافِرُ، وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ [الْفجْر: ١٥] الْآيَةَ فَهُوَ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِبُعْدِ مَعَادِ الضَّمِيرِ.